عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

 

 

لا يُمكن قراءة التاريخ بحس أيدولوجي، فما بالكم بكتابته؟ لقد كان أسوأ ما تضمنته كتابات المؤرخ عبد الرحمن الرافعى عن تاريخ مصر الحديث إقحامه لآرائه وتوجهاته الشخصية، وموقفه الحزبى فى سير الأحداث؛ ليترك لنا تاريخا مُجتزئا ضد المنطق، وضد العلم، وضد العدالة.

وبمنطق مشابه، يُمكن قراءة كتابات الكاتب الليبى الإخوانى على الصلابي، وهو أشهر من كتب عن تاريخ العثمانيين فى العالم العربي، ويحظى كتاباه عن الدولة العثمانية، ومحمد الفاتح بإقبال لافت وانتشار كبير.

مشكلتى مع كتابه» الدولة العثمانية» أنه يكاد يكون المرجع الأول للعامة عن الخلافة العثمانية فى العالم العربي، وهو الأشهر والأكثر انتشارًا بحكم ترويج الإخوان له، لكن وجيعتى هى أن يُنسب كتابه إلى علم التاريخ، ويقدم الرجل باعتباره مؤرخًا فذا.

وما دام الرجل عضوا أصيلا فى جماعة الإخوان المسلمين، فقد كرر الفكرة الأزلية التى تفترض وجود مؤامرة كونية على الإسلام والمسلمين تدعمها الماسونية العالمية (وهذا المصطلح تحديدًا كلما سمعته انتابنى الضحك، فوجود جماعة سرية تحكم العالم من خلف ستار عبر عشرات القرون سذاجة عقلية).

المهم أن الصلابى بحكم انتمائه للإخوان المتحالفين مع تركيا لا يمكن أن يرى فى العثمانيين إلا كل عظمة، خير، تقدم، وصلاح، ما يدفعه إلى تبرير مذابحهم شرقًا وغرباً، ويختلق الأعذار تلو الأعذار لظلم حكامهم وسلاطينهم. ويحشد الرجل التبريرات التى تتيح لسليم الأول عدوانه على الشام ومصر واحتلالهما، من عينة أن المماليك كانوا فاسدين وظالمين وغير ملتزمين دينيا، وأنهم كانوا غادرين، وأنهم سلبوا مصر خيراتها، لكنه فى الوقت ذاته لا يشير إلى بشائع سليمان المسمى بالقانوني، أو سليم السفاح، أو مظالم محمد الثانى نفسه الذى ألصقوا به حديثا مفبركا عن أن فاتح القسطنطينية هو أعظم أمير. ولا يتحدث عن ما قاساه المصريون على يد العثمانيين للدرجة التى دفعت مؤرخًا مصريًا محترمًا مثل الجبرتى أن يقول عن الجند العثمانيين بعد رحيل الحملة الفرنسية « نزلوا إلى بولاق وأكلوا الزروعات وخطفوا المواشى وفجروا بالنساء وافتضوا الأبكار ولاطوا بالغلمان، وهكذا يفعل المجاهدون حتى تمنى الناس مجىء الإفرنج.»

ويسوق »الصلابي» لقرائه تصورًا سطحيًا بأن محمد على كان عميلاً للماسونية العالمية، وأنه ليس منطقيًا أن يصل هذا الشاب إلى حكم مصر إلا من خلال دعمها. وكأن هذا الدعم الماسونى يظهر عندما ينهزم العثمانيون أمام جيش محمد علي، ويختفى عندما تتكالب دول أوروبا مع السلطان العثمانى ضد باشا مصر.

بالطبع فإن محمد على ليس شخصية خالية من المساوئ، وانتقاده جائز وضرورة فى بعض الأحيان، لكن من خلال منطق عقلى كالقول بأنه بنى مجدا ذاتيا له ولأسرته أو واصل سياسة استغلال المصريين التى دأب عليها العثمانيون، لكن القول بأن الأدلة التاريخية تؤكد أنه جاسوس وعميل للماسونية فهو قول لا ينطلى إلا على الجهلة. وتلك الفكرة التى تتصور أن العالم قسمان: أهل خيرـ وأهل شر، وأن آل عثمان هم أهل الخير، وكل من عاداهم وانتصر عليهم مثل محمد على هم بالضرورة أهل شر، وأن آل عثمان ينتصرون بدعم الله، بينما ينتصر خصومهم بدعم الماسونية.

ترهات وترهات يسوقها مزورون فى مجتمعات نصف جاهلة، تصدق كل من رفع شعارًا دينيًا. من يسأل عن الصلابى يعرف كيف باع الشعب الليبى وتحالف مع سيف الإسلام القذافى قبل إسقاط والده، ثُم انقلب عليه، ووقف فى الخندق ذاته مع جحافل الإرهاب بليبيا، ووصم مصر بكل نقيصة، وصفق وطبل لشحن قتلة ومرتزقة أجانب فى طائرات تركية إلى بلاده.

أناس بهذه الأخلاق والأحقاد يحشون أدمغة الشباب بأكاذيب تاريخية تخدم الأيدولوجيا، فانتبهوا.

والله أعلم.

 

[email protected]