عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لماذا تتحارب الأمم؟ سؤال ربما يستقبله البعض على أنه استنكارى بمعنى أنه يحمل ملامح دهشة وتعجب من الأسباب التى تدفع الشعوب لأن تتقاتل فيما بينها، بمنطق أن السلام بين البشر هو الذى يجب أن يسود وأنه مهما كان فإن الحرب يجب ألا تكون وسيلة لحل أى خلاف. ربما هذا هو منطق الناس الطيبين مثل جموع المصريين الذين تغلب عليهم نزعات مثالية ترى أن الإنسان لا يجب عليه مهما كان أن يفكر فى الحرب لأنها مدمرة وأن ضررها أكبر من نفعها.

 لكن السؤال على النحو المطروح فى الكتاب الذى يحمل هذا العنوان وصدر عن سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية فى أغسطس 2013 لا يحمل مثل هذه المعانى وإنما ينطلق من سياق غير عاطفى بالمرة يهدف إلى البحث فى الأسباب الحقيقية التى تقف وراء ظاهرة الحرب بين الأمم إلى حد أن المؤلف «ريتشارد نيد ليبو» وهو كاتب أمريكى مهتم بقضية النزاعات المسلحة فى العلاقات الدولية يطمح إلى حد الوصول إلى ما يسميه بنظرية عن الحرب من خلال الكتاب، وهو كلام كبير ربما ليس لنا -أنا وأغلب القراء الذين يتسمون ببساطة فى الفهم- علاقة به.

بعيدا عن الدوافع العامة للحرب التى يحددها المؤلف فى أربعة أساسية وهى الأمن والمصلحة والمكانة والانتقام، فإن مناط الاهتمام بالقضايا التى يطرحها الكتاب، فى ظل عالم يغلى من حولنا تبدو معه الحرب أقرب إلينا من حبل الوريد، هو أنه يساعدنا ببساطة ورشاقة رغم تقعر وتعقد أسلوبه على التعامل مع فكرة الحرب واستيعاب أبعاد قيامها. الميزة كذلك أن المؤلف لا يحاول أن يخدعنا أو يدس لنا السم فى العسل أو حتى يسقينا «مية أصفرة» بالحديث عن جمال الحرب، لكى نبتلع فكرة الإقدام على إعلانها، ولكنه على العكس يعترف بمساوئها حتى إنه يشير صراحة إلى أنها ربما تكون -مثل بعض النساء والتشبيه من عندى- سيئة السمعة! بما لها من آثار مدمرة تتمثل فى تكاليفها البشرية والمادية.

يكفى لإدراك مدى كراهية فكرة الحرب لدى الإنسان قديما وحديثا أن تعرف أن نساء أثينا واسبرطة اتفقوا -فى مسرحية لأرستوفان- على اللجوء إلى سلاح عدم ممارسة الجنس مع أزواجهن ما لم يصنع رجالهن السلام. أما فى عصرنا الحديث فلعل معرفة أن الحربين العالميتين الأولى والثانية كلفتا البشرية ما لا يقل عن 10.4 و50 مليون قتيل على الترتيب تجعلك تفغر فاهك من بشاعة وفظاعة نتائج الحرب! ورغم ذلك فإن الحروب لم تنته، ما يؤكد أن النفور من الحرب لم يمنع نشوبها فى الماضى أو الحاضر.

النقطة الأكثر مدعاة للدهشة، ما يشير إليه المؤلف ريتشارد نيد من أن أكثر مناصرى التدخلات وفض النزاعات بالقوة وصفوا أنفسهم على أنهم من أشد المناهضين للحرب، ولكن دعوتهم، كما يشير، جاءت انطلاقا من إيمانهم بأن الحرب ضرورية لأسباب تتعلق بالأمن القومى، بما يعنى أن الداعين للحرب والمؤكدين على ضرورة اعتمادها كخيار لفض نزاع خطير تواجهه بلدانهم، ربما لا يكونوا بالضرورة من الأشرار الذين ترى قرون شيطانية فى رؤوسهم فى الأفلام، وأنهم إنما ينطلقون فى ذلك من رؤيتهم لأمن بلدهم القومى حسب تصورهم فى اللحظة التى تخوض فيها بلدهم نزاعا ما، وهو اجتهاد ربما أخطأ وربما أصاب، والفيصل فى ذلك ربما تعبر عنه المقولة الشعبية بأن «الجواب بيبان من عنوانه!».

الخلاصة الثالثة التى يؤكد عليها المؤلف أن فوضوية النظام الدولى تجعل من الحرب ظاهرة متكررة حيث تعمل على تشجيع الأقوياء على «أن يفعلوا ما يشاءون» فى حين أن الضعفاء «يعانون ما لا بد منه» وتحضرنى بهذه المناسبة عبارة مهمة لا تغيب عن ذهنى ذكرها الرئيس السيسى فى أحد لقاءاته مضمونها أن «العفى لا يأكل أحد لقمته». فضلا عن ذلك فإن اللافت للنظر ومن سياق القراءة العامة فى الكتاب إشارته إلى أن المياه -آبار السقى- حتى فى عصور ما قبل التاريخ كانت من أسباب الحرب.

كما يقدم المؤلف رؤية تبدو غريبة مؤداها أن القوى الكبرى التى تعانى الضعف والتراجع تعتمد على الجهود الدبلوماسية للحفاظ على أنفسها ومصالحها، لكن الدول القوية تفضل الحرب وأنه فى الأنظمة متعددة الأقطاب لن تشهر الدول سيوفها إلا إذا كانت قوية بما فيه الكفاية لمواجهة جميع القوى العظمى غير الحليفة. فكرة مهمة أخرى يشير إليها المؤلف ربما تفيدنا فى التعامل مع الواقع الذى نعيشه تتمثل فيما يذكره من أنه عندما تستولى على نظام ما فكرة أن الحرب هى النتيجة الوحيدة التى يمكن إدراكها على أنها عمل مشرف فإنه بالتالى يفعل كل ما بوسعه لجعل أى تسوية مستحيلة! ومثل هذا النظام قد لا يجدى معه، فى تقديرى أنا الشخصى سوى تحقيق رغبته.. شن الحرب عليه! ومما يطرحه المؤلف كذلك أن الردع أفضل وسيلة لتجنب الحرب، ذلك أنه إذا أمن الخصم جانبك فربما لا يعيرك أى اهتمام وربما يتمادى فى غيه وفى التلاعب بأهدافك!

رغم ما قد تراه من أن ما سبق ليس سوى خلاصات عامة، إلا أن أهميتها أنها قائمة على رصد تاريخ البشر مع ظاهرة الحرب ما يوفر لها المصداقية التى ربما تؤدى إلى نجاح سياسات من يأخذ بها ويتعامل معها بوعى!

[email protected]