رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى مسلسل «النهاية» الذى تم عرضه رمضان الماضى يسيطر هاجس الخوف من الحرب بين أبناء المجتمعين الرئيسيين الإفتراضيين اللذين يعرض المسلسل تطورات الحياة فيهما وهما «التكتل» و«الواحة». وينطق الفنان عمرو عبدالجليل الذى يلعب دور «عزيز» عبارة بليغة للصبى الذى يعمل معه حين يقول له «ما تعرفشى الحرب بتخلى الناس عايشة فى فقر وغلب فوق الاحتمال إزاى! وتحول حياتهم لجحيم وعذاب، والناس تعيش على أمل أن ينتهى هذا العذاب أو يموتوا». ولعل هذا ما يدفع صانع القرار القائم على أى نظام فى أى مكان فى العالم إلى أن يقوم بحساب الأمر ألف مرة قبل أن يقدم على خطوة مثل تلك، لضرورة تفرض نفسها يعبر عنها «عزيز» أيضا بقوله: بس الناس دى فى النهاية يستاهلوا أنك تحارب عشانهم.

ولعله لذلك فإن المتابع للعلاقات بين الدول فى عالمنا المعاصر وربما بشكل خاص مع حلول القرن الحادى والعشرين سوف يلحظ تراجع الحروب فى معناها التقليدي، بشكل قد يجعل البعض يتحمس لحد القول بأنها – أى الحرب– ظاهرة فى طريقها إلى الزوال. وهو تفكير أو تصور يجانبه الصواب بشكل تام، حتى لو صحت مقولة تراجع الحروب، ذلك أن الخلافات بين البشر وتطورها إلى نزاعات ذات مستويات مختلفة من التصعيد ستبقى بقاء الإنسان!

ومن هنا ربما، دون مغالاة أو لوى لعنق الكلام، يمكن إدراك عبقرية النص القرآنى فى تعبيره عن الحرب بالقتال حيث يقول سبحانه وتعالى: «كتب عليكم القتال وهو كره لكم»، فالقتال مفهوم أعم وأشمل يمكن لظاهرة الحرب أن تدخل تحت لوائه فضلا عن ظواهر أخرى متدرجة من النزاعات بين المجتمعات البشرية أو الدول.

وربما يعزز الطرح الذى نقدمه هنا بعيدا عن استعراض تاريخ الحروب على مستوى العالم الإشارة مثلا إلى كتاب اسمه «فن الحرب» لكاتب صينى هو صن تشو ألفه فى القرن السادس قبل الميلاد ويعد من بين أهم مائة كتاب فى تاريخ البشرية، ما يكشف حقيقة أن الحرب ظاهرة شغلت الإنسان ربما منذ النواة الأولى لتشكيل مجتمع بشري، وإن كان البعض يعود بها إلى ما قبل ذلك بالتأريخ لها مع شىء من التجاوز بما حدث من قتل قابيل لهابيل! فى إشارة إلى أحد طبائع البشر وهو التنازع والاختلاف إلى حد القتل والاقتتال!

وبعيدا عن الإيغال فى الماضى البعيد، يمكن القول إنه ربما ساهم فى الخوف من الحرب التطورات التى شهدتها البشرية على صعيدها خلال القرن العشرين والذى شهد حربين عالميتين أدتا إلى مقتل ملايين البشر، فضلا عن التوصل إلى القنبلة النووية التى مثلت رادعا عن دخول القوى الكبرى فى النظام الدولى فى حرب وهو ما أفرز بالتالى ظاهرة أخرى تعرف بالحروب بالوكالة سواء كانت حروبا شاملة أم نزاعات مسلحة.

وللأسف فإن ساحة هذه النزاعات هى الدول التى خضعت للاستعمار فى قارتى أفريقيا وآسيا وفى القلب منها العالم الإسلامى العربى. وللأسف فإنه فى القلب من كل هؤلاء كانت مصر التى كان قدرها أن تخوض حروبا مختلفة دفاعا عن أرضها وتصديا لواجبها فى حماية الأشقاء من العرب. وفى هذا الصدد خاضت مصر أربعة حروب ضارية على مدار النصف الثانى من القرن العشرين، بدأت بحرب 1948 التى جاءت ردا على إعلان قيام إسرائيل، وانتهت بحرب اكتوبر 1973 واستطاعت مصر خلالها تحقيق النصر على إسرائيل وتحرير جزء من أرضها المحتلة فى سيناء.

بنظرته المثالية، والتى يراها البعض غير ذلك ويطلق عليها أوصافا سلبية، خرج علينا الرئيس الراحل أنور السادات بعبارته الشهيرة عن كون «أكتوبر» آخر الحروب. وللحق فقد بذل الرجل جهودا مختلفة لتحقيق فكرته بغض النظر عن اتساع حجم الاختلاف معه سواء من قبل معارضيه أم مؤيديه. وبفضل هذه الرؤية تعيش مصر حالة من السلم مع بعض التوترات هنا أو هناك بين فترة وأخرى لكنها لا ترقى إلى القتال أو الحرب، حتى يمكن القول بأن حالة السلم – ولله الحمد – أصبحت جزءا من طبيعة حياة الإنسان المصرى ومجتمعه.

غير أن الارتكان إلى هذه الرؤية فى تقديرى ربما عبر عن نظرة قاصرة، فقد كان قدر مصر مثلاً أن تخوض خلال العقود الثلاثة الأخيرة وبالذات العقد الجارى حرباً أخرى من نوع مختلف وهى الحرب على الإرهاب. وهو تطور قوض لدى البعض فكرة المجتمع «الطوباوى» الذى يعيش فى سلام دوما يحيا أبناؤه فى «تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات» وأعاد إلى الأذهان أزلية الآية القرآنية عن القتال الذى كتب علينا وهو كره لنا.

ولأن الأمر كذلك، ولحيوية وضع مصر فإنها تواجه العديد من الأخطار والمهددات لأمنها القومي، ترتقى فى بعضها إلى مخاطر وجودية، تمس مصادرها الحيوية، من أرض وبحر ومياه، عديدة ولن تنتهي، ولو بدا أنها على وشك الانتهاء فسيوجد من يوجدها من عدم، ومن هنا ربما يبدو على المصريين أن يضعوا دوما مضمون الآية القرآنية نصب أعينهم دون ملل أو ضيق بقدرهم.. فقد كتب علينا القتال وهو كره لنا رغم أننا لا نتمنى أن نشهد مثل هذا القتال الآن أو حتى بعد شهر فى أعالى النيل، أو حتى بعد سنين. حمى الله مصر من كل سوء.

[email protected]