رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

 

ربما يبدو الاسم غريب عليك، وقد تبادر إلى «هرش» رأسك لكى تحاول أن تتذكر من هى؟ متخيلاً أنها من النساء اللاتى كان لهن باع كبير فى صدر الإسلام! ولم لا واسمها على اسم ابنة أبى بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، أو أنها من أولئك اللاتى كان لهن دور فى انطلاقة العمل النسائى فى مصر فى نهايات القرن التاسع عشر، غير أنه بعد أن تزداد حيرتك وتدخل على «جوجل» ستكتشف أنها سيدة سودانية قد تكون بألف رجل لعب القدر دوره فى تصدرها الساحة فى مرحلة من أكثر المراحل حرجاً فى تاريخ بلدها.. وبلدنا!!

لو أن لديك قدراً ولو محدوداً من التفكير الإيمانى سيزداد لديك التصور بأن فى تبوئها المنصب الذى تولته فى السودان وهو حقيبة الخارجية شيئاً إلهياً، وقد تذهب فى تصورك إلى حد أنها هدية ربانية للشعب السودانى الطيب، كما هو يقينك الذى لا يغيب عن عقلك بأن مصر بأبنائها الطيبين موضع حماية إلهية وتأكيدك على ذلك بمرجعية القرآن.

فقد كان يمكن للعمر أن ينقضى وتمضى السيدة أسماء التى تجاوزت السبعين إلى حال سبيلها، خاصة بعد فصلها على يد نظام البشير ضمن مجموعة من الدبلوماسيين بالخارجية السودانية ممن بدوا له غير موالين! وكان يمكن أن يتولى نظام جديد فى السودان ولا ينتبه رئيس وزرائه عبدالله حمدوك إلى كفاءة مثل هذه السيدة، خاصة أن اسمها كان ضمن ثلاثة أسماء مرشحة للمنصب، فضلاً عن أنه قد يكون من غير المقبول والنشاز أن تتولى امرأة مثل هذه الحقيبة الأمر الذى لم يحدث من قبل فى تاريخ السودان، وربما فى تاريخ غيرها من الدول العربية!

غير أن الأمور جرت بما تشتهى سفن مصلحة السودان، وبما يحقق هدف إصلاح علاقاتها كدولة مع الآخرين نظراً لما شابها من صدع مع دول أخرى كثيرة بما فى ذلك الجارة العزيزة مصر التى تعتبر هى والسودان فى المنظور الشعبى «حتة واحدة»!

بعيداً عن تاريخها الطويل والحافل فربما سيذكر التاريخ السودانى لهذه السيدة ذلك التحول الذى تشارك فى إحداثه بشأن القضية الأخطر وهى سد النهضة! وإذا كان منطق الأمور وبديهياتها يشير إلى أنها على مستوى الحكم تدار بشكل جماعى وأنها لا تعكس تفكير شخص بعينه، فإن الواجهة إحياناً لها دلالاتها وأسماء عبدالله أفضل تعبير عن ذلك. فحتى وقت غير بعيد، كانت مصر الرسمية والشعبية تتميز من الغيظ من مفارقة السودان لموقفها بشأن سد النهضة رغم المصلحة المشتركة فى اتخاذ موقف واحد، ولا يمكن أن نختلف على أن إثيوبيا لعبت على هذا التباين واستفادت منه كثيراً، وإذا كان الأمر ليس وقت حساب، فإنه بالتأكيد وقت تذكير، لاستجلاء عظم التحول وضخامته.

 قد يكون من المبالغة القول إن السودان، خلال نظام حمدوك الذى تعبر عن توجهاته الخارجية أسماء عبدالله، أصبح يستشعر بالخطر أكثر من مصر من مسار التفاوض بشأن سد النهضة. غير أنه ليس من التجاوز، إن لم يكن من قبيل الدقة فى التوصيف، تأكيد أنه أصبح يوازيها فى الخطوات إن لم يكن يتقدمها خطوة فى التعامل مع هذا الملف. وهذا تطور، لو كنت تتابع ملف سد النهضة، عظيم! فإذا كانت القاهرة بادرت بتدويل القضية برسالة لمجلس الأمن تعرض عليه فيها مشكلة المفاوضات، فقد بلورت الخرطوم رؤية أكثر وضوحاً بالتأكيد على ألا يتم الملء من جانب واحد قبل التوصل إلى اتفاق وهو النقطة رقم واحد فى خطاب السودان لمجلس الأمن.

ولأن ليل المفاوضات سيطول والمراوغة الإثيوبية لا تنتهى، فإن ذلك يمثل من وجهة نظر وزيرة الخارجية السودانية مدعاة لموقف قوى، ومن هنا ربما كان تأكيدها وبرؤية لا ينقصها الوضوح أنه إذا تمت مواجهة إثيوبيا بموقف قوى من السودان ومصر بألا يتم الملء قبل الوصول إلى اتفاق ستفكر إثيوبيا فى الأمر مرتين.

ويلفت نظرك فى التصريحات التى راحت وزيرة الخارجية السودانية تدلى بها ذلك التناغم الكبير مع الموقف المصرى الذى ربما يؤكد صحة الرؤية الأولية للقاهرة رغم ما يبديه البعض على هذه الرؤية من تحفظات بخصوص التزامها المرونة الزائدة على الحد، حيث ترحب الوزيرة أسماء بوضوح بحق إثيوبيا فى بناء السدود على أن يكون ذلك فى إطار الالتزام بالقوانين والمواثيق الدولية.

وحين تتمعن فى تصريحات الوزيرة أسماء عبدالله التى يمثل نوعاً من الانقلاب على الموقف السابق للخرطوم، قد تنتابك حالة من الدهشة والاستغراب، وتدرك يقيناً أن أنظمة الحكم التى تدير الأوضاع فى مرحلة من المراحل ليست بالضرورة تتمتع بالرشادة وقد تؤدى أخطاؤها أو إدراكاتها الخاطئة ببلادها إلى كوارث، وموقف نظام البشير من سد النهضة على ضوء التحول الذى تعبر عنه الوزيرة أسماء والنظام السوادنى الحالى يؤكد ذلك.

بالطبع نعلم أن هناك مياهاً عديدة تجرى فى نهر المفاوضات، بمعنى أن قوى التأثير على مخرجاتها متنوعة وليست بيدنا أو بيد السودان وحده، وقد تكون جهود أسماء عبدالله أو غيرها – لا قدر الله – مجرد ريشة فى هواء، ولكن المثل يقول إن المغسل لا يضمن بالضرورة الجنة.. يكفى أسماء أنها غرست الفسيلة قبل أن تقوم قيامة سد النهضة!

[email protected]