رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

ما يحدث الآن فى أمريكا هو أحد تنفيسات التاريخ المشحون الأمريكى ؛ المليء بالعنصرية والذى تحكمه قانون العرق؛ ويظل  الظهير الثقافى  للزنوج محملا بتفسيرات ما يحدث ؛ ولعل من أهم تلك الأطروحات التى بمثابة تجربة ذاتية تحوى الكثير من الحقائق كتاب Between the World and Me»بين العالم وأنا» لـ تاناهاسى كوتس، الصادر فى عام 2015 ؛ والذى كان ضمن اختيارات صحيفة الجارديان لأفضل 100 كتاب صدر فى القرن الـ 21 ، والكتاب بمثابة رحلة داخل العنصرية الأمريكية فى مطلع القرن الذى نعيشه؛ وهو من الاعمال التى اقتربت من أطروحات جيمس بالدوين الذى امتازت رواياته بالأسلوب الشخصي، الذى يعرض فيه أسئلة حول الهوية، بالإضافة إلى الطريقة التى تتناول فيها الضغوط الاجتماعية والنفسية المتعلقة بكونه أسود ؛ ويبدو كوتس فى كتابه متأثرا بأصداء رواية «الرجل الخفي»  لـ رالف والدو إليسون التى تتحدث عن حياة ومجتمع الأمريكيين الأفارقة، وهى فى الواقع أعم وأشمل بإنسانيتها؛ فمعاناة أو واقع الحياة التى يعيشها بطل الرواية وهو شاب فى مستهل حياته، يمكن أن تتشابه مع واقع الفوارق الطبقية والعائلية والعرقية والطائفية وغيرها فى أمريكا فى كل العصور.

 ومع ذلك يظل أهمية كتاب تاناهاسى كوتس أنه أكد حقيقة أن الأمريكيين قاموا ببناء إمبراطورية على فكرة «العرق» ؛ ودفع ثمنها أجساد تم استغلالها من خلال العبودية والعزل ، واليوم  يتم تهديدها وحبسها وقتلها ؛ والكتاب طرح أسئلة وجودية بالنسبة للزنجى أهمها: ما هو الشعور بالسكن فى جسم أسود وإيجاد طريقة للعيش فيه؟ وكيف يمكننا جميعا أن نحسب بصدق هذا التاريخ المشحون ونحرر أنفسنا من أعبائه؟؛ وللإجابة عن هذه الأسئلة شارك كوتس ابنه، وقرأءه  قصة محاولة معرفته حقيقة مكانه فى العالم من خلال سلسلة من التجارب ، من جامعة هوارد إلى ساحات معارك الحرب الأهلية ، من الجانب الجنوبى من شيكاجو إلى باريس ، مرتكزا على طفولته التى كانت موطنًا لغرف معيشة الأمهات اللواتى تؤخذ حياة أطفالهن كنهب أمريكي. تلك الاحداث منسوجة بشكل جميل من السرد الشخصى ، والتاريخ المعاد تخيله ، والتقارير الجديدة المشحونة عاطفيًا ، مقدمًا رؤية متسامحة للطريق إلى الأمام؛ ويلخص كوتس التاريخ الأمريكى، ويشرح لابنه العنف العنصرى الذى تم تضمينه الثقافة الأمريكية، ويشرح بالتفصيل الطرق التى تدار بها المؤسسات مثل المدرسة والشرطة وحتى «الشوارع»؛ مؤكدًا أن التفوق الأبيض قوة لا يمكن تدميرها ، وهى قوة لن يتهرب منها الأمريكيون السود أو يمحوها أبدًا ، لكنهم سيكافحون دائمًا ضدها.

الطريف أن مصدر إلهام كوتس للكتابة جاء بعد اجتماع عام 2013 مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما ، وناقش كوتس مع أوباما ما إذا كانت سياسته معالجة التفاوتات العرقية فى تعميم الرعاية الصحية الشاملة ناجحة؛ بعد هذا الحدث بدأ كتابه ؛المأخوذ عوانه من قصيدة ريتشارد رايت «بينى وبيني» ، وتتحدث قصيدة رايت عن رجل أسود يكتشف موقع القتل والإعدام ويصبح عاجزًا عن الخوف ، مما يخلق حاجزًا بينه وبين العالم. وأهمية هذا الكتاب الآن، أنه لخص التاريخ الأمريكى للعنف ضد السود وضبط الأمن غير المناسب للشباب السود؛ ومع ذلك لغة الكتاب شاعرية وقاتمة ، مسترشدا بتجاربه التى كان فيها دائماً معرضا لخطر الأذى الجسدي؛ بينما يعطى الأولوية فيه للتقاليد فى المسيحية الداعية للتفاؤل، والإيمان بالعدالة فى نهاية المطاف؛ وهو جزء من معتقد المسيحى الاسود هناك، والتى يصفها بأنها «الجسدية والفوضى» ،والتى تدفعه إلى التأكيد على المخاوف الجسدية اليومية التى يعانى منها كأمريكى من أصل أفريقى فى الثقافة الأمريكية؛ ومع ذلك يرى أنه فى غياب الخطاب الدينى «الأمل والأحلام والإيمان والتقدم» ، تبقى أنظمة التفوق الأبيض وهو بذلك يختلف مع تفاؤل مارتن لوثر كينج الابن بشأن الاندماج وتفاؤل مالكولم إكس بشأن القومية. ينتهى الكتاب بقصة عن مابل جونز ، ابنة المزارع ، التى عملت وترقت فى الطبقة الاجتماعية لإعطاء أطفالها حياة مريحة، بما فى ذلك المدارس الخاصة والرحلات الأوروبية؛ وللأسف ابنها تم تعقبه عن طريق الخطأ وقتل من قبل شرطي. يستخدم كوتس القصة للتأكيد على العنصرية وأن المأساة ذات صلة دوما بالسود وهو للأسف ما يحدث الآن.!