رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سلالم

 

 

 

أن تفعل كل شىء يعنى ألا تفعل شيئاً، وبالمثل أن تصنع كل شىء.

فى تصورى، فإن مشكلة الصناعة الوطنية أنها انطلقت بدون تخطيط فى كل القطاعات. لم نبحث عن قطاع بعينه لنتميز فيه، فوصلنا إلى حال هين فى العموم رغم اجتهادات فردية لبعض الكيانات.

فى الستينيات من القرن العشرين كانت مانشيتات الصحف فى مصر صاخبة، مثيرة، حماسية، ترفع الرأس لكنها تسقط العقل فى أسفل سافلين.

كُنا نحلم أن تعلو صناعتنا إلى آفاق قصوى، وأطلقنا يومها مقولة غريبة مُدهشة صدقها العامة وآمن بها المسئولون هى التصنيع «من الإبرة إلى الصاروخ».

فى تلك السنوات وكما يحكى فى مذكراته سافر الدكتور عادل جزارين وكان وقتها مسئولا بشركة النصر للسيارات إلى أوروبا لإجراء مباحثات مع صناعيين طليان بشأن صناعة السيارات، والتقى مصادفة فى بهو الفندق بوزير الصناعة الإسرائيلى الذى قال له إنه يتابع تصريحات الحكومة المصرية حول النهضة الصناعية القادمة، لكنه لا يتوقع خيرا. فسأله «جزارين»: لمَ؟ فرد الرجل: إن من يسعى لتصنيع كل شىء لا ينجح. هناك مجالات معينة أنسب لكل مجتمع طبقا للجغرافيا والسمات السكانية. وفى إسرائيل فقد اخترنا ثلاثة قطاعات قررنا التركيز عليها والاستثمار فيها هى صناعة الطائرات، وصناعة الإلكترونيات، وصناعة الأدوية. ويبدو أن الدكتور عادل جزارين أطال الله عمره اقتنع بوجهة نظر المسئول الإسرائيلى، لذا فقد سارع عقب عودته للقاهرة بكتابة تقرير تفصيلى بحواره مع المسئول الإسرائيلى وبوجهة نظره وقدمه إلى أحد الأجهزة السيادية، وانتظر الرجل أى تغييرات فى التوجهات الخاصة بسياسات الصناعة، لكن شيئا لم يحدث.

ظلت مصر طيلة سنوات التخطيط الحكومى تضخ استثماراتها فى كل قطاع من القطاعات الصناعية توهما أنه يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى كل شىء، وبعد الانفتاح وميلاد القطاع الخاص ظل التوجه كما هو. ورغم ذلك، ما زلنا متواضعى الحضور على الخريطة العالمية للصناعة. لم نتميز بشكل حقيقى فى قطاع ما، بينما احتلت إسرائيل الصدارة فى الصناعات الإلكترونية، وصناعة الطائرات، والخدمات الصحية. لم نصل لتصنيع الصاروخ، كما لم نتميز فى صناعة «الإبرة» وكأننا كما يقول الشاعر الجميل نزار قبانى «نحشو الجماهير تبنا وقشا، ونتركهم يعلكون الهواء».

لقد أدهشنى ألا أجد فى أسواق الولايات المتحدة لعب أطفال أو أجهزة كهربائية أو منزلية مصنوعة فى الولايات المتحدة، وسألت صديقاً مُقيماً منذ سنوات فى واشنطن عن ذلك، فقال لى إن الأمريكيين يركزون على صناعات بعينها، لأن تكلفة العمالة لديهم عالية جدا، إنهم يختارون قطاعات يمكنهم الريادة فيها مثل صناعة الأسلحة والأدوية والسيارات.

والواقع أن البكاء على اللبن المسكوب لا يُجدى، لكن التدبر فى الحاضر والقادم يدفعنا دفعا إلى توجيه الاستثمارات الجديدة طبقا لاحتياجاتنا، وذلك لا يمكن أن يتم بقرار فوقى، وإنما بأولوية تمنحها البنوك للمشروعات الأكثر ربحية والأعلى عائدات.

 والله أعلم

 

[email protected]