رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

 

أول شهر «يونيه» من كل عام، أستقل قطار الذكريات، وأنطلق به بأقصى سرعة، منذ نحو 46 عاماً أصبحت لا أتوقف فى محطة 5 يونيه، فقد عدلت اسم هذه المحطة إلى 6 أكتوبر، وجعلت مقرها العاشر من رمضان، وفى نهاية الرحلة أتوقف عند قصر الاتحادية.

قد تندهش إذا قلت إن مقر الحكم الذى تدار منه الدولة المصرية بجلالة قدرها، وعراقة شعبها، وماضيها المشرق، ومستقبلها المطمئن استُخدم مدة عام كامل لتقديم وجبات الفتة بالكوارع للجماعة الحاكمة، فلم يكن الحاكم رئيسًا، بل كانوا مجموعة الأدوار موزعة بينها، ورشحت أحد أفرادها لتنفيذ مخططاتها من خلاله، المخططات ليست من التخطيط من أجل النهوض بالبلد، ولكن لتمزيقه إلى قطع كما كانت تمزق الديوك الرومى والفراخ الفيومى، وتتهادى على اللحى الطويلة التى كانت تخفى تحتها عداء شديداً لهذا الشعب. شعب العصابة الحاكمة لم يكن الشعب المصرى، هو فئة أخذت اسم القبيلة والعشيرة والأهل، كان أحد أعضاء هذه الجماعة التى اختارته لينفذ توجيهات زعيم العصابة القابع فى المقطم، يخرج على العشيرة بعد القيلولة فى القصر يخاطبها باسم أهلى وعشيرتى، التخمة من الأكلات الدسمة والأرز المعمر الذى كانت بقاياه تتناثر على فرش حجرة الطعام فى القصر كانت تعوق الأهل والعشيرة عن فهم ما يريد الحاكم توصيله لهم.

ولكنهم اتفقوا على شىء واحد وهو البقاء فى القصر مدة 500 عام على الأقل ليستمتعوا أكثر بالملوخية والأرانب والبط المسكوفى، والحادق جبنة إسطنبولى، التى تذكرهم بصديقهم السلطان العثمانى الذى وسوس لهم بأن يقيِّفوا البلد بعد الشكوى منهم بأنها واسعة حبتين، وتحويلها إلى إمارة إسلامية تأخذ الإذن والتعليمات من إسطنبول، ولو حجوا إلى الدوحة مفيش مانع.

خيال المآتة الذى كان يقيم فى القصر اكتشف أنه مجرد عروس ماريونيت يحركها المرشد العام ونائبه من مقر العصابة الدائم فى المقطم، لم يعترض على وضعه المهين لسبب مهم، وهو أن وصوله إلى السلطة كان عن طريق عملية سطو فى لحظة ضعف إنسانى لبلد خارج من ثورة أطاحت برئيس لأول مرة فى التاريخ، عصابة الفتة بعد الوصول للسلطة غرقت فى إدارة شئون البلاد كغرقها فى الصلصة التى كانت تسيل على الذقون، الفشل ولَّد عندهم غريزة الانتقام من المصريين، ورفعوا شعار من ليس معنا فهو علينا، واكتشفوا أن الشعب المصرى بالكامل يريد تطهير النظام ولا يقبل الحكم الفاشى.

عملية تطهير البلاد من هذا الوباء الذى يشبه وباء كورونا مر بعدة محطات، كان فيها المصريون داخل قطار واحد، يسير على قضبان مضاءة، الطريق أمام القطار واضح المعالم، المحطات تسلم كل منها القطار إلى التى تليها فى سلاسة وتناغم، ركاب القطار يهتفون بصوت واحد يسقط.. يسقط حكم الخونة، هذا الوصف ليس إنشائياً، ولكنه يثبت أن عصابة الكوارع ولحمة الراس جزء من مخطط عالمى لتقسيم البلد، بعد أن ثبت أنها لا تؤمن بالأرض، ولا بالتراب، ولا يهمها الأمن القومى، وليست عندها خطوط حمراء، فهى خطها أخضر بلون الدولارات التى يتقاضاها أفرادها مقابل الخيانة، ولون الملوخية التى يأكلونها بودن القطة أو عند طريق الشرب.

القطار ينهب الطريق، والمصريون داخله يرفعون علامة النصر، وهم يخرجون رؤوسهم من الشبابيك لترقب المحطة الأخيرة، وأخيراً وبعد طول صبر، وتخطيط جيد، وإخلاص ووطنية وصل القطار إلى محطة 30 يونيه، المحطة كانت مكتظة بالمهنئين، كان عددهم أكثر من 30 مليوناً، توقف القطار، ولكن لم تتوقف ماكينة الحركة انتظاراً لاستئناف السير نحو المستقبل فى البناء والتعمير، وإقامة دولة مصر الجديدة بدلاً من الدولة المنهكة التى مرت بظروف صعبة فى مرحلة دقيقة من تاريخها دبت فيها الفوضى، وتدهور الاقتصاد.

بداية بناء الدولة الجديدة كان تطهير القصر، وكنس كل ما يتعلق بالعشيرة والقبيلة، وإعداده للحاكم الذى يليق بمصر، والذى يستطيع أن يدفع مهرها، ويضعها فى المكانة اللائقة بها، وأصبح القصر بعد 30 يونيه يخاطب الشعب المصرى بالكامل، الحاكم هو قائد وزعيم مصر، رئيس كل المصريين وليس رئيس قبيلة أو عشيرة، مصر كبيرة، ولابد أن تكون لشعب كبير.