رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

لا أدرى ماذا كان يدور بخلد من قام على إنشاء عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، ثم الأمم المتحدة بعد الحرب الثانية؟. حينما أحاول تخيل ما كان يفكر فيه أمثال هؤلاء أتصور أن الهدف كان بالغ المثالية وهو إيجاد ما هو أقرب لحكومة عالمية تقوم على إدارة شئون البشرية فى إطار اتساع نطاق الاتصال والتواصل بين دول العالم، وهى الفكرة التى جاءت تطبيقاً بشكل أو بآخر لرؤى فلاسفة ومفكرين سبقوا عصرهم مثل كانط الذى دعا إلى فكرة شبيهة فى كتابه «مشروع للسلام الدائم».

غير أن تشكيل مجلس الأمن ضمن الأمم المتحدة، فضلا عما نلمسه على أرض الواقع يكشفان عن أن هناك فرقاً كبيراً بين النظرية والتطبيق، فوجود أعضاء دائمين بالمجلس لهم حق الفيتو كشف حالة من التمييز قوضت فكرة العدالة، فضلا عن عرقلة تحقيق هدف التنظيم الدولى وهو أن يكون حكما بين الدول، الأمر الذى انتهى بالمنظمات الدولية لأن تصبح مجرد نسخ مما يعرفه الفلاح بـ«خيال المآتة».. الدمى التى تم وضعها شكليا لكى تشعر أى معتد بأن هناك من يمكن أن يوقفه عند حده.

مرت على ذهنى هذه الخواطر التى لا بد أن تبدو لأى متابع أو مهتم بالعلاقات الدولية فى مستوى البديهيات عندما تابعت ردود فعل التنظيمات الدولية على الموقف من قضية سد النهضة وهى مواقف مائعة إن لم تكن تصب بسبب تلك الميوعة فى صالح نصرة الظالم، حيث إن إثيوبيا تحاول الاعتداء على حقوق مصر فى مياه النيل التى هى ثابتة وتتمتع بها منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها وقبل أن تنشأ دولة باسم إثيوبيا أو الحبشة! هذه المحاولة تتم على مرأى ومسمع من العالم منذ أكثر من تسع سنوات!

ولأن مصر لها رؤية خاصة للقضية، لك أن تختلف أو تتفق معها، أنت حر، فإنها سعت وتسعى لحلها فى إطار مفاوضات مع طرفى القضية السودان وإثيوبيا وعندما فاض بها الكيل كان اللجوء -بعد انكشاف أديس أبابا فى مفاوضات واشنطن- بخطاب رقيق اللهجة وليس شكوى لمجلس الأمن لكى يكون على علم رسمى بوجود مشكلة يمكن أن ترتقى إلى نزاع يهدد السلم والأمن الدوليين؟ فماذا كان رد الأمين العام للمنظمة الدولية؟

فى تقديرى، وأتصور أننى لست مبالغا، أن موقف الرجل، وبالتالى منظمته كان صادما، على الأقل لشخص مثلى، حين راح يشير إلى ما وصفه «بوجود تقدم جيد فى المفاوضات حتى الآن»! أى تقدم ذاك الذى يتحدث عنه أنطونيو جوتيريش؟ أتصور أن كلام الأمين العام قد يوحى للبعض وكأنه يتحدث عن نزاع آخر غير سد النهضة، أو أنه يتحدث وكأنه يعيش فى كوكب آخر غير الأرض؟ ولو أن الأمر كذلك فهل كانت دولة مثل مصر تقدمت لمجلس الأمن بعد تسع سنوات مفاوضات بعد أن نفد صبرها الذى لا يوجد مثيل له فى رأيى فى التعامل مع هذه القضية سوى صبر أيوب!!.

صحيح أن رد المنظمة يجب أن يكون دبلوماسيا ويراعى الحرص على التوافق والتوفيق بين أطراف أى نزاع لكى يحتفظ للمنظمة بحق التدخل، إلا أن هناك فرقا بين الدبلوماسية والتعامى عن الحقائق؟ وإلا فلو أن دور المنظمة هو «الطبطبة» على الجميع لفشلت وذهب ريحها وهو ما نلمسه فى الواقع!

اللافت للنظر أن الأمين العام للمنظمة -لا فض فوه- راح فى ختام بيانه يحث أطراف القضية على التقدم صوب التوصل إلى اتفاق ودى وفقا لروح إعلان المبادئ الموقع عليه بين البلدين فى 2015.. دون أن يبدو منه أية ملامح لموقف بشأن دوره كطرف وسيط يجب عليه التدخل لوقف تطور مشكلة إلى نزاع دولى يهدد السلم والأمن الدوليين، الأمر الذى يقع فى صميم دور الأمم المتحدة العمل على تجنبه وتخصص لها ميزانيات ضخمة من أجل تحقيقه!

للإنصاف فإن الأمر لا يقتصر على الأمم المتحدة وإنما ينسحب على كل تنظيم دولى أو إقليمى آخر حتى ليصح أن يوصف رؤساء تلك المنظمات بأنهم «كلهم جوتيريش»! فالاتحاد الأفريقى الذى من المفترض أن يكون له دور فعال فى التدخل، باعتبار أن المشكلة بين أبناء قارة واحدة، غاب غيابا كاملا عن النزاع رغم أنه على دراية كاملة بكل تطوراته. وعندما تمخض الاتحاد ولد فأرا حيث رحب باستئناف المفاوضات مؤخرا بعد توقف عدة شهور. الموقف ذاته ينسحب على الاتحاد الأوروبى الذى أصدر بيانا الخميس الماضى رحب خلاله باستئناف المفاوضات، مشددا على أهمية خفض التوتر بين الأطراف الثلاثة، وهى العبارة التى تدخل فى إطار جبر الخواطر ورفع العتب!

لعل النتيجة الأساسية التى يمكن التوصل إليها من هذا التناول أن التنظيمات الدولية ليست إلا إطارا شكليا لا يجب التعويل عليه كثيرا فى الملفات المهمة فى العلاقات بين الدول.. كسب رضاء هذه المنظمات مطلوب، تسويق موقف الدولة بين أعضاء هذه التنظيمات أمر مهم وفاعل، لكن على أرض الواقع فإنه عند حسم مثل هذه القضايا فإن القوة، بكل مترادفاتها، ربما تكون هى أكثر الوسائل نفعا! فالعفىّ، مرة ثانية وثالثة ورابعة، وكما أكد الرئيس السيسى، لا يمكن أن يأكل أحد لقمته!!

[email protected]