رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات رمضانية (الأخيرة)

بهذه السطور أختتم ما بدأته على مدار شهر رمضان من تقديم ما هو أقرب إلى التأملات البعيدة عن القضايا الحياتية، من خلال تأمل بعض المفاهيم التى ترتبط بشكل أو بآخر مع قضايا مهمة تشتبك مع الدين من بعيد. وجاء ذلك من خلال استعراض ومناقشة ما قدمه عدد من الرموز الفكرية فكانت حلقتنا الأولى حول مفهوم النقد ومدى تهافته لدى بعض مثقفينا من خلال نقد المفكر محمود إسماعيل للغزالي، فيما كانت الحلقة الثانية حول مفهوم البدعة وضرورات النظر إليه نظرة مختلفة تجعله إضافة وليس عائقًا أمام تقدمنا من خلال طرح الباحث التونسى عبدالوهاب المؤدب، أما المفهوم الثالث فقد كان أدب الآخرة والذى عرض له الراحل لويس عوض، وهو المفهوم الذى لم يحظ بالاهتمام الكافى رغم أنه أدب موجود ويمكن تقديم أطروحات مختلفة بشأنه.

أما المفهوم الرابع فى هذه الحلقة فيتمثل فى فكرة المهدي، وهو المفهوم الذى يتسيد الفكر الديني، الإسلامى أو غيره، بصيغ مختلفة، وإن انتشر لدينا كمسلمين باعتباره بديهية لا يرتقى إليها الشك وذلك فى المذاهب المختلفة سنية كانت أم شيعية، وإن كان الكاتب والمفكر الراحل أحمد أمين يفند هذه الفكرة بشكل قد يدعوك للدهشة من حجم انتشارها.

فى رأيى أن أهمية ما ذهب إليه أحمد أمين يتمثل فى تصحيح العقيدة مما شابها من أفكار ليس لها أصل فى الدين وتحتل فى ذهن المسلمين مكانة محورية. ومما أذكره على المستوى الشخصى أن شخصًا قدم منذ فترة غير بعيدة إلى الجريدة- الوفد- لمقابلة رئيس التحرير بدعوى الحديث فى أمر مهم لم يكن سوى ظهور المهدى ومع التواصل معه اتضح أنه- حسب اعتقاده- هو شخصيًا!

يبنى أحمد أمين رؤيته من منطلق أن الحديث عن المهدى لم يرد فى القرآن أو السنة، وإن ما ورد فى القرآن إنما هو لفظ المهتد «من يهد الله فهو المهتد». كما أن البخارى ومسلم لم يرويا شيئًا عن أحاديث المهدى مما يدل على عدم صحتها! وهو يعود بجذر الفكرة إلى الشيعة، حيث إنه بوفاة ابن الحنفية 81 هجرية لم تشأ طائفته- الكيسانية- أن تؤمن بموته وقالوا بغيبته وبانتظاره حتى يعود وكان هذا أساسًا لفكرة الإمام المنتظر عند الإمامية الإثنى عشرية. ولأن الفكرة لاقت رواجًا فى العصر الأموى فقد كان اختراع مهديًا مضادًا للشيعة حتى لو لم يتسمَ بالمهدى فكان «السفيانى المنتظر» ووضع خبره خالد بن يزيد بن معاوية الطامع فى الحكم فى مواجهة مروان بن الحكم آنذاك وجاءت التسمية إشارة إلى الجد أبى سفيان.

وبلغة يغلب عليها السخرية من الفكرة، على عكس طبيعته بالغة الجدية، يشير أحمد أمين فى رصده لتطور الفكرة إلى أنه يظهر أن العباسيين عز عليهم أن يكون للشيعة مهدى وللأمويين سفيانى وليس لهم شىء فرأوا أن يكون لهم أيضًا مهدي، فوضعت لهم الأحاديث على هذا النمط لدرجة حملت الخليفة العباسى المنصور على تسمية ابنه المهدى والإيهام بأنه المهدى المنتظر! حيث كان يريد البيعة للمهدى وكان ابنه الآخر جعفر يعترض عليه فى ذلك ووصل الأمر بالمنصور لتعزيز موقفه حد إحضار خطباء وشعراء لتأييده فى وجهة نظره فراح أحدهم ينسب إلى النبى (ص) زورا قوله: المهدى منا محمد وابنه عبدالله وأمه من غيرنا يملؤها عدلًا كما ملئت جورًا».

وعلى ذلك فالنتيجة التى يخلص إليها أن عقيدة المهدى فشت فى العلويين والأمويين والعباسيين وأخذت عند كل منهم لونًا خالصًا، ففكرة المهدي، على هذا الأساس، لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية وكان الشيعة أهم البادئين باختراعها وذلك بعد خروج الخلافة من أيديهم وانتقالها إلى معاوية وقتل على وتسليم الحسن الأمر لمعاوية.

ليس المهم تلك النتيجة التى يخلص اليها أمين وهى أن حديث المهدى حديث خرافة وأنه ليس مهديًا منتظرًا بل على العكس، حيث أن المهدى تلك الشخصية الوهمية غير منتظر من الأصل وإنما المهم النتائج التى ترتبت على ذلك، حيث أحيط المهدى بجو غريب من التنبؤات والإخبار بالمغيبات والإنباء بحوادث الزمان. وتم ذكر هذه الأشياء فى أحاديث نسبت إلى النبى (ص) وكان لذلك أثر سيئ فى تضليل عقول الناس وخضوعهم للأوهام وفى إثارة قلاقل فى شكل ثورات متتالية، حيث يخرج فى كل عصر داع أو دعاة كلهم يزعم أنه المهدى المنتظر ويلتف حوله طائفة من الناس كالذى كان من المهدى رأس الدولة الفاطمية. وهذا كله من جراء نظرية خرافية هى نظرية المهدى والتى لا تتفق، كما يقول أحمد أمين بحق، مع سنة الله فى خلقه ولا تتفق والعقل الصحيح.

وإذا كان الأمر كذلك، ورؤية أحمد أمين تتمتع بالمنطق والصدقية فى ظل واقع مغاير يشير إلى أن الفكرة التى طرحت فى القرن الأول من ظهور الإسلام ثم تعززت فى القرن الثاني، ما زالت تمثل جزءًا من عقيدة الكثير من المسلمين فألا يدعوك هذا إلى إعادة التفكير فى فكرة أن بعض تراثنا الموروث بحاجة إلى مراجعة وغربلة بدون تزيد من طرف ودون ترصد وتصيد من طرف آخر. أعتقد ذلك!

[email protected]