رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

 

 

 

بكلمة تُغير أمة. بفكرة بسيطة تُعزز قيمًا وتغرس مبادئ وتفتح أبوابًا موصدة. فبين زحام الدراما الرمضانية، وسطحية برامج المقالب، وسخافة مسلسلات الكوميديا المصطنعة الغارقة في الإفيهات الكلامية بلا أي مضمون، ثمة أعمال تستحق التحية والإلتفات.

منها مثلا  برنامج إبراهيم عيسى، والذي لا يتجاوز خمس دقائق  كل يوم على راديو نجوم إف إم، ويحمل عنوانا لافتًا هو «له ما له وعليه ما عليه»، ويقدم قراءات جديدة و أكثر موضوعية لشخصيات تاريخية عديدة عرفها الناس، بالغوا في محبتها، فتنوا بها، وقدسوها في بعض الأحيان ليُخبرنا أن لكل شخصية بشرية حسنات وسيئات، وأنه لابد أن ننظر لمن نُحب دون أن نبني سياجًا من القداسة.

مثل هذه الدقائق الخمس تُخبرنا ألا نندفع في محبتنا لشخوص بعينها لدرجة أن تعمى أبصارنا عن رؤية أخطائهم. إنني أتصور أن المحب والمفتون والمُتيم بشخص لا يتعلم أبدًا منه، لأنه لا يرى سقطاته أو جوانبه المظلمه.

إن أسوأ سمات العقل العربي أنه عقل آحادي، انفرادي، يسير في ناحية واحدة، ولا يعرف من الألوان سوى اللونين الأبيض والأسود. إما مع أو ضد، والشخصيات العامة لديه إما أنبياء وملائكة أو شياطين.

من هُنا رسمت القداسة والعصمة والتنزيه لأناس مثلنا على مدى الزمن، بشر خطاؤون لديهم نزعات ورغبات وشهوات إنسانية، ووصل الأمر بالثقافة الجمعية أن نرفع بعضهم إلى مقام النبي فنزعم أن انتقادهم خطيئة واتهامهم كفر. وفي سبيل ذلك سمعنا مرويات وعبارات إقصائية  مثل « لحوم العلماء مسمومة» أو «لا يكره فلان سوى منافق، ولا يختلف معه سوى فاسق» وغيرها من سيوف التهديد والإرهاب الفكري.

وحسبنا أن نجد أن هناك مَن يُقدسون شيوخا وعلماء ـ لا ننكر علمهم ـ لدرجة قصوى، ويرفعونهم إلى مرتبة مَن لا يُخطئون أبدا، ويحسبون أن خصومهم أو الرافضين لآرائهم أعداء للدين نفسه.

إن فتح نافذة النقد، والقراءات المُدققة التي تعرف للناس ما لها من خيرات، وما عليها من سقطات يُبشر بمراجعة موضوعية لتاريخنا كله القديم والحديث، ويحرر الفكر من أسر المحبة والكراهية.

لذا، فإن تناول إبراهيم عيسى لشخوص آثارت زخمًا بشعبيتها ورمزيتها لدى الناس مثل الشيخ الشعراوي، صلاح الدين الأيوبي، عمرو بن العاص، أحمد عرابي، عبد الحليم حافظ، مصطفى كامل، ومصطفى النحاس، وغيرهم يمثل رمية حجر في بحيرة راكدة استعذبت التسليم للأحكام الموروثة.

يُمارس إبراهيم عيسى دورًا تنويرياً هادئًا. يفتح أبوابًا ونوافذ، ينزع قيودًا، يهدم حواجز وسدودًا، يكسر تابوهات، ويرسم بمقالاته وكتبه وأفلامه الصادمة في بعض الأحيان حدائق التعدد. يُنفذ مشروعه في تحرير العقول وإرساء فكرة الاختلاف، ونزع القداسة عن بني البشر. يرمي بذور التعددية ويُبشر بأجيال جديدة أكثر قدرة على تجاوز كلمات مثل الثوابت والمسلمات واليقين، لتُحلق في سماوات الحرية سعياً إلى التقدم.

والله أعلم.

 

[email protected]