عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

 

 

 

لاأدرى لماذا قفزت إلى ذهنى هذه القصة للطفل الذى ينتمى إلى مذهب الطاوى فى الصين القديمة وهو لمن لايعرف أحد أهم  المذاهب الفلسفية الصينية القديمة وهو يعود إلى الفيلسوف لاؤتسى الذى عاش فى القرن السادس قبل الميلاد وكان معاصرا لفيلسوف الصين العظيم كونفشيوس.

تقول القصة : أن السيد تيان من دولة تشى  الصينية القديمة قد أقام مأدبة كبيرة  فى قصره حضرها ألف مدعو، وبينما كان يجلس فى وسط المدعوين صار الخدم يحملون أصناف السمك والطرائد تمر من أمامه فقال باستمتاع شديد: «كم هى سخية السماء على الإنسان! تصنع السماء خمسة أصناف من القمح للنمو، وتجلب قبائل مزعنفة ومريشة مخصوصة لمتعتنا». وقد صفق لذلك جميع الضيوف ما عدا ابن للسيد باو وكان طفلا فى الثانية عشرة من عمره إذ اعترض  قائلا: «إنها ليست كما قال سيدى!

 إن العشرة آلاف مخلوق فى الكون ونحن أنفسنا ننتمى إلى نفس الفصيلة. وفى هذه الفصيلة لا يوجد نبيل ووضيع. إنه فقط بسبب الحجم والقوة أو المكر يسود أحد الأنواع على الآخر ويتغذى أحدها على الآخر. ولا واحد منها أنتج لخدمة أغراض الآخرين. الإنسان يمسك ويأكل ما هو مناسب لطعامه، ولكن كيف يمكن اعتبار السماء قد أنتجتها له تمامًا! إن البعوض يمتص من دمه، والنمور والذئاب تلتهم لحمه، لكنا لا نستطيع القول أن السماء أنتجت الإنسان لمنفعة البعوض والذئاب والنمور».

إن هذه القصة تكشف عن فهم عميق لهذا الطفل الطاوى لجوهر العلاقة بين كائنات الطبيعة التى لا يتمايز فيها الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى وهذه هى الحقيقة التى يشير إليها اليوم أعظم دعاة فلسفة البيئة وأخلاقياتها؛ حيث الدعوة لدى أنصار حقوق النباتات والحيوانات إلى المساواة بين كائنات الطبيعة وإلغاء التمييز المصطنع بين الإنسان والكائنات الأخرى حيث يحيا الكل مع الكل فى تناغم طبيعى ينبغى أن يحفظ الإنسان توازنه ولا يتعدى عليه بحجة أنه الأرقى والأقوى...إلخ.

وكأن ما يُحدثه الآن  فيروس كورونا دقيق الحجم شديد الفتك فى عالم البشر  يعيد إلينا صورة معاصرة من هذا الفهم الذى ينبغى لإنسان اليوم أن يعيه ويفهمه ؛ فقد تجبر الإنسان واغتر بقدراته الفائقة للسيطرة على الطبيعة وكأنها ملكية حصرية له يفعل بها ما يشاء ويستبد بها وبكائناتها ما استطاع إلى ذلك سبيلا !! وكأنى بهذا الفيروس الدقيق يسخر من هذا الغرور البشرى سخرية هذا الطفل الطاوى من ذلك السيد الذى تصور للحظة أن الطبيعة بكل خيراتها قد دانت له وحده فإذا بهذا الطفل الصغير يذكره بأن مكانته وقدراته فى هذه الحياة لاتتفوق ولاتزيد عن قدرات الكائنات الأخرى فكما أنه يتغذى ويستمتع ببعضها فبعضها أيضا يتغذى عليه ويستمتع بمص دمائه .

إن دروس فيروس كورونا المستجد لنا كثيرة ؛ أولها : أن على الانسان أن يتواضع لخالقه وخالق الكون إذ مهما بلغ علم الانسان وقدراته فهو ضعيف أمام أى مخلوق آخر يمنحه الله القدرة على أن يجعل من هذا الكائن البشرى المزهو بقدراته يقف ذليلا محتارا أمامه إذ ماذا هو فاعل الآن بكل علومه وثرواته وجبروته إزاء جبروت كورونا الرهيب الذى ألزم الجميع بيوتهم وأفشل منظوماتهم الصحية وجعل كبيرهم صغيرًا وصغيرهم كبيرًا وجعل ضعيفهم قويًا وقويهم ضعيفًا أمامه ، لقد أصبح الجميع ينتظر دوره فى الموت !. إنها حكمة الخالق سبحانه وتعالى فهل من متكبر ينكر ذلك ؟! وثانيها : أن البشر أمام الخالق العظيم ومخلوقاته مهما صغر حجمها وقل شأنها متساوون بكل ألوانهم وأجناسهم وبيئاتهم المعيشية  وهذا ماثبت من أن كورونا قد أصاب الجميع الحاكم قبل المحكوم ، الغنى قبل الفقير،  والمتقدم أكثر من المتخلف ،  الآمريكى والأوربى قبل الأفريقى والآسيوى !. وثالثها : أن علم الانسان مهما ارتقى و تقدم فهو أمام قدرة الله وجنوده المرئيين وغير المرئيين ضعيف ضعيف

ورابعها : أن على البشر أن يدركوا بوجه عام أنهم ليسوا إلا أحد أنواع الكائنات الحية على ظهر الهرم الحيوى للأرض وأنهم فى حقيقة الأمر آخر من حلوا كضيوف عليها لا ليكونوا سادة الحياة  والكائنات بل ليكونوا مشاركين للآخرين وصناع للحياة والمخولين بصيانتها والحفاظ عليها لهم ولكل هذه الكائنات الحية الأخرى ! وخامسها : أن نتعلم من جائحة كورونا ضرورة تغيير السياسات العالمية فى كل مجالات الحياة  نحو عالم أكثر عدالة وانصافًا ، نحو عالم أكثر انسانية يساوى بين البشر بعضهم البعض  وبين البشر وغيرهم من الكائنات الحية ليحيا الجميع حياة آمنة وجيدة . فهل نفعل أم ستعود ريما لعاداتها القديمة بعد أن يرفع الله عنا هذه الجائحة ؟!!