عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

فى عام 1968 ضربت إسرائيل قناطر نجع حمادى.. وأعتقد أنها لم تقصد من ضربها أية خسائر مادية بل مجرد رسالة تهديد معنوية للرئيس عبدالناصر، يمكن أن تصل إلى حد الإهانة، بأنها تستطيع الوصول إلى المدن المصرية البعيدة وليست فقط بورسعيد والسويس والشرقية القريبة من سيناء التى احتلتها.. المهم أتذكر من أحداث غارات الطيران الإسرائيلى التى استمرت أكثر من ليلة على مدينتى نجع حمادى، ثلاثة أشياء تتشابه كثيراً مع فيروس كورونا!

أولا.. أن غارات الطائرات كانت بالنسبة لنا نحن الأطفال فى ذلك الوقت أمرا جديدا لم نره، ولم نسمع عنه من قبل، وعرفنا بعدها إنه لعدو واسمه إسرائيل لا نعرف شكله أو ملامحه ولكنه نجح فى أن يصيبنا جميعا، كبارا وصغارا، بالخوف والهلع، فقد كنا نترك البيوت عندما نسمع أصوات الطائرات فى السماء وبعدها تنقطع الكهرباء وتنطلق صفارات الإنذار ونرى المصابيح الكاشفة التى كانت تلقيها الطائرات الإسرائيلية لتجعل الظلام نهاراً.. والكل يجرى فى الشوارع مذعوراً يهرب من العد الخفى الذى لا أحد يراه، ولا يعرف من أين جاء.. وهو أمر لا يختلف عن كورونا سوى إننا نحاول الجرى منه رعباً داخل منازلنا!

ثانياً.. كانت هناك سيدة عجوز جدا اسمها «يامنة سالم» وهى راقصة معتزلة من أيام الملاهى الليلية الشعبية التى كان مرخصا لها بالعمل قبل ثورة يوليو ومعروفة باسم «الكراخانات» فى نجع حمادى.. وكانت سيدة لطيفة وودودة والكل يحبها.. ولا أعرف لماذا كانت تتقدم الناس التى تجرى فى الشوارع خوفاً من الطائرات وهى تصرخ وتقول «إسرافين.. إسرافين» وتقصد إسرائيل، والجميع يجرى وراءها.. ولأنها تجهل كل شىء عن «إسرافين» هذه والناس تعرف ذلك فتحول مشهد هروبهم الجماعى المرعب إلى حالة من الضحك والسخرية من أنفسهم على أنفسهم، لأنهم تركوا «يامنة» تقودهم.. وأشعر حاليا أن الناس تسخر من نفسها وعلى نفسها لأنهم تركوا كذلك السياسيين والاقتصاديين، وليس العلماء أو الأطباء، ليقودوهم لمواجهة فيروس كورونا.. وهم لا يعرفون عنه شيئا!

وثالث الأشياء.. إن الغارات الإسرائيلية لم تتوقف فى العمق المصرى إلا بعد بناء حائط الصواريخ، والذى بدأت طائرات العدو تتساقط امام دفاعاته.. ولذلك كان لهذا الحائط الأولوية اثناء بناء قواتنا المسلحة من جديد بل كان له الفضل الكبير فيما حققه الجيش المصرى من مكاسب كبيرة خلال حرب الاستنزاف وفى معركة أكتوبر الفاصلة.. وأعتقد أننا فى حاجة، إلى إعادة تحديد الأولويات فى حياتنا وسياساتنا.. وإن بناء حائط صواريخ من التعليم والبحث العلمى والرعاية الصحية الشاملة لكل الشعب هو طوق النجاة الوحيد من فيروسات قادمة.. سواء كانت مخلقة فى المعامل وتسربت بخطأ بشرى، أو نتيجة انتقالها من الحيوانات والطيور إلى الانسان أو حتى شكل من اشكال غضب الطبيعة علينا لما فعلناه بها وتحاول تجديد نفسها وإزالة ما افسدناه فيها.. كل ذلك ليس مهماً لأن الأهم إنها ستكون أقسى من كورونا وستضربنا فى العمق بلا هوادة.. ما لم نبدأ فى بناء حائط العلم والمعرفة من اليوم وليس غداً!

[email protected]