رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

خارج السطر

أستقبح الشماتة، أحتقر التشفى، وأكره فرح البعض بأحزان الآخرين. أرى مقتنعا أن مَن يسكنهم السرور لتفشى فيروس كورونا فى المجتمعات الغربية، أناس لديهم شروخ إنسانية عميقة.

لا فرح فى الموت، لا فرح فى الفقد، لا فرح فى معاناة البشر حتى لو كانوا يوًما مستعمرين، متجبرين، يمارسون الاستعلاء.

الإنسان هو الإنسان شرقا أو غربا، والعدو هو بشر فى النهاية، ولا ينبغى لتألم أطفاله أن يسرنا، لا يجب لبكاء زوجته أن يُسعدنا. نحن إخوة رغم ما بيننا من حدود جغرافية، دينية، وعرقية، نحن أسرة واحدة هى أسرة الإنسانية، نحن خلق الله الذين أنشأهم ليعمروا الأرض.

ومهما كانت عادة الثأر مغروسة فى أنسجة مجتمعاتنا، ومهما كانت رغبات الانتقام مسيطرة علينا، ومهما كانت ذكرياتنا عما فعله الفرنسيون فى الجزائر، والإنجليز فى مصر، والأمريكيون فى العراق مؤلمة، إلا أن الحس الأخلاقى الشرقى، أو حتى الحس الإنسانى يُحتم علينا أن نهلع لهلعهم، نتألم لوجعهم، ونقف صفًا لمساندة ومساعدة كُل مَن يحتاج لذلك. فى وقت تتعرض فيه الإنسانية للخطر فلتسقط الخلافات والصراعات الأيدلوجية والتاريخية، وتبرز معادن البشر النبلاء فى مثل هذه الأوقات.

قال لى صديق اشتراكى مهووس بنظرية المؤامرة، تربى على كراهية أمريكا وأوروبا، ولا يتورع عن وصم مجتمعات الغرب كلها بالشيطنة: فليذوقوا بعض ما ذُقنا، ليتألموا قليلا، ويعانوا مثل شعوب العرب فى العراق، سوريا، وفلسطين. قال لى: فليمت ثلاثين ألفًا، خمسين، مئة، أو أكثر مثلما مات مئات الآلاف من العراقيين وقت الحصار، ومثلما مات أطفال إدلب، أو أطفال الصومال. كرر فى لامبالاة : حان وقت دفع الثمن.

ومثله صديق آخر متأسلم أو يرتدى قناع المظلومية الإسلاموية، يعتبر الجائحة انتقام الله وغضبه على أهل الغرب، الكفار، الذين طغوا وتجبروا فحق عليهم العذاب.

وكلاهما، ومثلهما كثر يجهلون أن الإنسان هو الإنسان، فى أى مكان. فى بكين، تل أبيب، دلهى، واشنطن. مَن يدفع الثمن فى أى جائحة ليس هو مَن يصنع الشر. مَن يقع ويعانى ويتألم هم الناس، العامة، غير المُسيسين. مَن يموت فى الغالب ليس هو مَن يقتل ويطغى. ليس مَن يمتلك القرار.

لا تشفٍ فى الخراب، لا شماتة فى الموت. لا الأخلاق ولا النبل ولا القيم الإنسانية المشتركة بين كافة الأديان ترضى بذلك.

فى سكون الليل أتوجع لمشهد شاب فى ميلانو يقفز من أعلى بناية بعد أن فقد عائلته بالكامل. أشفق على قصة أقرأها فى الميديا عن بيت مسنين فى مدريد وُجد كل قاطنيه موتى بالفيروس اللعين.

أتذكر كلمات الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور فى أغنية «حدوتة مصرية»، وأردد مع صديق طفولتى وصباى وكهولتى محمد مُنير:

بأمد ايدى لك.. طب ليه ما تقبلنيش؟

لا يهمنى اسمك..

لا يهمنى عنوانك..

لا يهمنى لونك ولا ولادك مكانك.

يهمنى الانسان ولو ما لوش عنوان.

ياناس ياناس يا مكبوتة هى دى الحدوتة

حدوتة مصرية.»

والله أعلم.

 

[email protected]