رؤى
حاولت كثيرا أن أحفظ بعض الأدعية المنشورة فى الكتب أو التى نسمعها فى المسجد، لكن للأسف لم أنجح طوال حياتى فى حفظ دعاء بعينه، ربما لأننى أظن أن الدعاء حالة، وهذه الحالة تختلف من إنسان لآخر، وكل حالة تختلف فى درجة قربها وشفافيتها من الله عن الأخرى، أنت فى هذه الحالة تقف أمام الله عز وجل، وتناجيه بما تشعر به لحظتها، والمناجاة إبداع فى اللحظة، وكلما اقتربت من الله اتسمت حالتك بدرجة من الصفاء أكبر، واتسمت لغة مناجاتك بشاعرية أكبر، لا أظن ان الله عز وجل يقبل منك مناجاة لا تشعر بها أو لا تخرج من نفسك وقلبك، بقدر ما تحب الله يحبك ويقربك ويغفر لك.
قد يمنحنا الله عز وجل ثوابًا لتأميننا على دعاء إمام المسجد أو أحد الدعاة، لكنه عز وجل يقربك عندما تناجيه من قلبك، بكلماتك، وإحساسك، وثقافتك، حتى لو تعتعت وتلعثمت وأخطأت، فهو يعلم ما تريد، ويأخذ بنواياك ومشاعرك.
فى رأيى أن للبيئة ودرجة التعليم والثقافة والحالة المادية والاجتماعية الخاصة بك تلعب دورا كبيرا فى التعبير عن نفسك أمام الله، كلماتك وفضاؤك وأحلامك واحتياجاتك وأيديولوجيتك تغلب على مناجاتك، أغلبنا لا يمتلك قدرة الصياغة والفضفضة والتضرع أمام الله، بعضنا يمكنه صياغة أدعيته، وبعضنا يكرر ما حفظه.
قد تصيغ فى مناجاتك فهمك للحياة والكون، فتناجيه بما قنع فى ذهنك عن الوجود والموت والحساب والوقوف أمام العرش: (اللهم قنا عذاب القبر، اللهم نجنا من ضمته، اللهم أفسح فى قبرنا، اللهم نوره بقبس من نورك)، وقد يتضمن دعاؤك كراهية لمن هم ليسوا على ديانتك:( اللهم انتقم من اليهود، اللهم العن الكفار والملحدين)، أو مذهبك:(اللهم احرق الشيعة الأنجاس)، وقد يعبر عن أيديولوجيتك:(اللهم احفظ مصر والمصريين والعرب، اللهم شتت اليهود وبنى إسرائيل، اللهم اخسف بالصهاينة)، وقد يعبر عن مدى قربك من الحاكم:( اللهم انصر زعيمنا ورئيسنا، اللهم سدد خطاه، اللهم جنبه البطانة الظالمة)
الدعاء مثل كل الأشياء يمكن تسخيره وتوظيفه سياسيا ومذهبيا وعرقيا وأيديولوجيا، لكنه فى النهاية هو الوسيلة الوحيدة لطلب المغفرة من الله عز وجل، هو أداة الإنسان ووسيلته فى التضرع لله وطلب الرحمة والمغفرة، وأبلغ دعاء سمعته وحفظته وأردده وأتمنى ان يتقبله الله عز وجل منا فى هذه الأزمة: اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا نسألك رد القضاء بل نسألك اللطف فيه، اللهم ارحمنا واغفر لنا وحرم على جسدنا النار.. آمين.