رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

همسة طائرة

 

 

 

كشف الاتحاد الدولى للنقل الجوى «الإياتا» عن أن الاضطرابات الناجمة عن تفشى فيروس كورونا ستؤدى إلى خسائر تقدر بمليار دولار من الإيرادات الأساسية لقطاع الطيران بمصر، موضحًا أن هناك خسارة تصل إلى 6.3 مليون نظرًا لقلة أعداد المسافرين إلى القاهرة.. وأشار فى تقرير صادر عنه، إلى أن تعطل حركة السفر الجوى فى مصر قد يتسبب فى تعرّض حوالى 138 ألف وظيفة فى الدولة للخطر.

يا سادة.. قلت وما زالت أقول إن الطيران المدنى، قطاع تختلف طبيعته عن أى قطاع آخر لا لشىء سوى ارتباطه المباشر بالأمن القومى لمصرنا الحبيبة، وكلمة طيران مدنى تجعلك تتخيل أنك تتعامل مع قطاع عادى من السهل التعامل مع مفرداته.. ولكن الحقيقة الوحيدة الباقية أنه قطاع حساس جدًا ودقيق من حيث استراتيجياته وأمنه وأمانه واقتصاديات العمل فيه، فهو يتعلق بصناعة من أدق وأخطر الصناعات، وهى صناعة النقل الجوى، ومن حيث الاستثمارات الهائلة بالمليارات لبناء وتحديث المطارات الدولية والمحلية، وشراء الطائرات والمعدات، فإن ثمن شراء طائرة واحدة يفوق الاستثمارات المطلوبة لعدة مصانع، وهنا تكمن صعوبة قيادة هذا القطاع الحيوى والوطنى، لإن العائد المباشر على رأس المال المستثمر يكون عادة منخفضًا بالنسبة لأى مجال آخر، ولكن العائد غير المباشر على باقى قطاعات الدولة كبير جدًا وفى كل المجالات.. فصناعة النقل الجوى لا تحقق الأرباح الكبيرة أو تكلفة رأس المال، حيث تحقق 2% على الأكثر، فى مقابل صناعات أخرى تحقق نحو 8% عائدًا للاستثمار فى مصر.. ومطاراتنا الدولية هى عبارة عن حدود لمصر يجب حمايتها تمامًا ومراعاة اليقظة الدائمة لتأمينها، وأن أكثر من 80% من حركة المسافرين الدولية تتم عن طريق هذه المطارات، ولا أحد يستطيع أن ينكر أنه ليس هناك أخطاء أو ثغرات فلا توجد نسبة 100% فى أى نظام أمنى فى العالم، ولكننا نؤكد أن لدينا منظومة أمنية متكاملة بها عناصر بشرية مدربة وأجهزة على أعلى كفاءة، تلك المنظومة تتطابق مع المعايير والتشريعات والقوانين الدولية الصادرة من منظمة الطيران «الايكاو» العالمية. 

اما شركتنا الوطنية التى هى جزء من تاريخ مصر ٨٨ عامًا من عمر تحليقها فى سماء العالم، حاملة اسم مصر وعلم مصر فى كل الأنحاء، وعبر ٨٧ وجهة تتوجه إليها.. ٨٨ عامًا مرت من عمرها، استطاعت خلالها أن تحقق نجاحات كبيرة تضىء سيرتها حتى وصلت إلى العالمية بعد أن أصبحت عضوًا بارزًا وفى درجة متقدمة بـ«تحالف ستار العالمى» التحالف الأقوى فى سوق الطيران العالمى، كما استطاعت أن تخدم أهدافًا قومية ووطنية ولم تخذل يومًا قيادتها السياسية فى أى مهمة وطنية كلفت بها مهما كان حجم المخاطر.. وعبر السنوات الـ٨٨ استطاعت أن تحقق للدولة أهدافًا لا ولم ولن تحققها أى شركة طيران مصرية أخرى تعمل على أرض مصر، فعلى المستوى الاجتماعى استطاعت أن توفر فرص عمل لأكثر من 34 ألف موظف، حجم العمالة بها الآن، ولم تتخل قط عن ابن واحد من أبنائها حتى فى أحلك الظروف وأسوأ الأيام ووسط طوفان من الخسائر ينهش فى جسدها الهزيل تلك الشركة ليست إلا نموذجًا لنماذج كثيرة فى مؤسسات مصر طالها الإهمال والتردى والاختراق منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وتولى الإخوان الخونة حتى بلغت خسائرها ٢٠ مليار جنيه.  

يا سادة.. تلك التحديات تواجه كل مسئول يتولى أمر القطاع فما يتحقق من أرباح مهما بلغ من مليارات لا يساوى بناء مطار واحد ولا يغطى تكلفة تغيير وتطوير أنظمة اتصال ورادارات ومراقبة جوية تغطى سماء الوطن.. كما أن تلك المليارات مطلوب ضعفها عشرات المرات حتى تستطيع الوفاء بمتطلبات المنظومة من عمالة تحتاج التدريب والتطوير المستمر وتحسين المعيشة.. بخلاف أسطول طائرات يحتاج التحديث والتطوير لكى يستطيع أن يستمر فى سوق المنافسة.. وهو ما يحتاج أيضا مئات المليارات التى لا تتحقق على الأرض ولكن تصبح قروضًا وديونًا تطوق رقبة المسئول عن هذا الملف.. مع منظومات أمنية تحتاج التطوير والتحديث طول الوقت، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمؤامرات تحاك ضد الوطن وأصاب الطيران جزء منها.. ومنظمات طيران عربية ودولية وأجنبية تتشابك مصالحها وتسعى أن تأخذ منك لا أن تعطى لك.. ومنافسة شرسة داخليًا وخارجيًا من شركات طيران، خاصة تعمل على أرض الوطن وشركات طيران أجنبية وعربية عينها على الراكب المصرى، فمصر سوق يعنى لشركات الطيران 100 مليون راكب تتجه الأنظار إليهم لخطفهم.. وما بين الوقت والآخر تسعى مصالح تلك الدول والمنظمات والشركات تطالب «بالسموات المفتوحة» وتستخدم كل ما لديها من كروت ضغط وعملاء لها داخل الوطن يعملون لصالحهم لا لصالح الوطن.. ومؤامرات داخلية وخارجية على القطاع تستهدف استنزافه.

يا سادة.. الطيران المدنى منظومة صعبة ومتشابكة ومترامية الأطراف داخليًا وخارجيًا تجعلك تستشعر الشفقة على من يتولى هذا الملف.. عن كم التحديات التى تواجه المسئول الأول عن الطيران المدنى فى مصر وتجد الإنجازات التى تتحقق لا تساوى نقطة فى بحر المطلوب من تلك القيادة على كل المستويات وأولها بالطبع العنصر البشرى المطلوب دائمًا إشعاره بالأمان المادى ليصل به إلى الأمان النفسى.. وكذلك تطوير وتدريب هذا العنصر ليتناسب والتغييرات المتلاحقة والسريعة فى هذا القطاع.. ولذلك فإن أى قيادة تتولى تجدها دائمة السعى لأن تعطى لهذا العنصر ما يكفيه..

ومع تداعيات خسائر فيروس كورونا مُنى القطاع بخسائر فادحة جديدة قدرها الاتحاد الدولى للنقل الجوى «الاياتا» بمليار دولار أى ما يوازى ١٦ مليار جنيه مصرى قد تتضاعف تلك الخسائر مع إجراءات الدولة بتعليق حركة الطيران من أجل الحفاظ على أرواح وصحة مواطنيها.

يا سادة.. كل ما سبق يجعلنى دائمًا وأبدًا أطالب الحكومة والبرلمان بأن ينتصرا ويقفا فى صف الطيران المدنى لأنه وحده لا يستطيع فمهما حقق من أرباح فهى بالورقة والقلم وفى اقتصاديات الطيران لا تساوى كم المليارات المطلوبة ليستكمل هذا القطاع مسيرته فى ظل تحديات شرسة ومنها تعثر الشركة القابضة لمصر للطيران، وضرورة تحديث أسطولها وتطوير هيئة الأرصاد وزيادة النفقات التى تتضاعف بين اللحظة والأخرى.

همسة طائرة.. تحية لكل مخلص وطنى بالطيران المدنى علم بقضاياه ومشاكله وخباياه، ورضى بأن يقتحم لُب المشاكل المتأزمة فى القطاع، من أجل وطن عشقناه ويعيش فينا أكثر مما نعيش فيه.. واليوم القطاع فى انتظار دعم حكومتنا الغراء التى أثق أنها لن تتخلى أبدأ عن قطاع وطنى مهم واستراتيجى.. فمهما حقق من نجاحات وأرباح فتلك الأرقام فى الطيران المدنى دليل على نجاح أبنائه ولكنها ليست كافية لتحديات واقعهم الأليم.. فهل من مستجيب؟.. ودعوات إلى الله أن يقف فى صف وطننا الحبيب مصر فى تلك الأزمة ومع الطيران المصرى الذى ينزف ملياراته.