عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

كتب جاك آتالى فى نهاية عام 2011م كتابا مهما يحمل تساؤلا أكثر أهمية « غدا ..من سيحكم العالم ؟!» وبالطبع انصب اهتمامه فيه على التحليل السياسى الذى يشغل فلاسفة السياسة المعنيين بمستقبل التفاعل السياسى فى العالم وصورة حكومة المستقبل ، وقد حاول فيه استعراض تاريخ حكم العالم من فجر التاريخ فى مصر وبابل والصين قديما حتى آل الحكم فيه لأمريكا فى الوقت الحالى بعد أن أنهت الحقبة الثنائية للصراع بينها وبين الاتحاد السوفيتى السابق ودشنت ماسمى منذ 1989م بالنظام العالمى الجديد بزعامتها المطلقة !!

 وككل فلاسفة السياسة المثاليين الحالمين بمستقبل أفضل للبشرية تنبأ بحكومة عالمية واحدة يمكنها عبر الآليات العالمية الموجودة فى أجهزة الأمم المتحدة  كالجمعية العامة ومجلس الأمن والبنك الدولى تأسيس نظام حكم عالمى جديد يقوم على احترام الحقوق والعدالة والمساواة والتوزيع العادل للثروة والحفاظ على البيئة الخضراء لصالح البشر ككل،  دون الاخلال بوجود حكومات الدول المحلية والقومية التى من المتوقع أن تخضع فى قوانينها المحلية والقومية للقانون الدولى الذى تحكم هذه الدولة العالمية بمقتضاه !!

والحقيقة أن ذلك كان هو الحلم الطوباوى  لفلاسفة السياسة والحكم منذ أخناتون فى مصر القديمة مرورًا بالكلبيين والرواقيين والاسكندر الأكبر حتى دعاة العولمة والنظام العالمى الجديد والحكومة العالمية الواحدة اليوم .

ولم يدر بخلد هؤلاء يومًا أن هذه الحكومة العالمية الجديدة يمكن أن تكون لميكروب أو فيروس صغير يكاد لايرى إلا بأدق الميكروسكوبات الالكترونية مثل ذلك الفيروس صغير الحجم كبير السطوة شديد البأس « كورونا العظيم « الذى خرج من قمقمه فقط منذ شهر ديسمبر الماضى فى مدينة ووهان الصينية ممتطيًا جواده الرهيب ذى الأجنحة الطائرة القادرة على ركوب الهواء والطائرات والسفن والتنقل عبر قارات العالم فى جهاته الأربعة شاهراً سيفه الفتاك فى وجه الجميع حكاما ومحكومين ليجبر القادة والمقودين فى عالم البشر على أن يحاولوا قدر طاقتهم البشرية المحدودة الاختفاء من أمامه والانسحاب الجبرى من عالمهم المكتظ بكل أنواع االلهو من ملاعب كرة القدم إلى ملاهى السينمات والمسارح، الانسحاب من جامعاتهم ومدارسهم وحتى من اجتماعاتهم السياسية  والأسرية ، ومن تجمعاتهم المعبرة عن الأفراح والأتراح ، دعاهم جبرا إلى الانسحاب من كل ذلك ليلزم جميع الأفراد حجراتهم الضيقة مكتفين  بمتابعة أخبار انتصاراته العظيمة عبر قنواتهم الفضائية وتليفوناتهم المحمولة شرط تعقيمها والحفاظ على نظافتها.

 لقد قصد الحاكم الجديد للعالم أن يغير من سلوكيات هؤلاء البشر العابثين الفاسدين من اللهاث وراء حياة اللهو والعبث ببعضهم البعض إلى أن يتفرغ كل واحد منهم لنفسه وينزوى فى أحد أركان منزله وحيدًا يتأمل قصرا تاريخه الأسود من النفاق الاجتماعى والتملق السياسى والنصب على خلق الله الآخرين ويجهز نفسه للحظة الحساب ، لحظة أن يهجم عليه أحد جنود الحاكم العظيم كورونا الجديد ليطبق على صدره ويكتم أنفاسه !

لقد أخضع هذا الحاكم الجديد للعالم سكان الأرض جميعًا لسطوته وإرادته وسيطر على اجتماعات رؤساء دولهم ورؤساء حكوماتهم المحلية والاقليمية والدولية وشغلت أنباء انتصاراته المتلاحقة وسائل إعلامهم، وأصبح الموضوع الرئيس لكل تصريحات زعمائهم وقادتهم ، كما أصبح الشغل الشاغل للعلماء المختصين من كل الفئات والتخصصات للبحث عن كيفية مواجهته وتوقيفه عند حد ! لكن هيهات هيهات  أن يوقفوه عند حد فهو القاهر الذى يقتل منهم كل يوم الآلاف ويصيب عشرات آلاف ويظل كامنا فى صدورهم الأيام العجاف حتى يكشر عن أنيابه ويظهر له أو لها أنه كان الكامن فى الصدر وهو الموجه للمصير المحتوم وذلك بعد ان يصيب كل من خالطوه أو خالطوها كل من قبلوه أو سلموا عليه أو حتى لامسوا أو استخدموا أحد أدواته بالصدفة أو عن عمد . إنه  إذن الحاكم بأمره الذى قرر أن يظهر لنا فجأة فيوحد وجهتنا ويلفت انتباهنا إلى أننا كبشر أضعف من الضعف وأوهى من الوهن وأهون من الهوان !!

 لقد أجبرنا حاكمنا الأعظم فى هذه الأيام التى صفت فيها قلوبنا وصغت فيها أسماعنا إلى أنفسنا لنعلم حقيقة أنفسنا ومدى ضعفنا وخيبتنا، أجبرنا على أن نركع أمام جبروته طالبين العفو والسماح ، طالبين المزيد من الوقت لنعود إلى طاعة الله الخالق والركوع والسجود لعظمته  والإيمان بقدرته والالتزام بأوامره ونواهيه؛ فقد تلقينا الدرس من أحد جنوده  المخلصين صغير الحجم شديد البأس « كورونا العظيم « . ولله الأمر من قبل ومن بعد فهو القادر على إلجام هذا الفيروس والفتك به وتخليصنا منه إلى الأبد.

[email protected]