رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

أقف إجلالا لكل بحث محترم، وأحتفي بكل كتابة مُجهدة مُدققة تبتغي الحقيقة، وأعلم جيدا ما يعنيه أن يبحث باحث ما في التاريخ مستقرئا حدثا مهملا، أو شخوصا منسيين. إنه لاشك عمل ممتع وجُهد يُحترم.

أقول ثقة وأنا مريض بالبحث التاريخي، ومهموم بفتح الأدراج الموصدة، وبعثرة الأوراق المهملة، لذا فقد وقفت كثيرا أمام دراسة حديثة تحمل إضافات رائعة لتاريخنا تحت الاحتلال البريطاني، وهي دراسة الكاتب والأديب عبد القادر طريف عن ثورة مصر المنسية التي قامت سنة 1915 في منطقتي مطروح والواحات، وكانت مُسلحة وعنيفة وسقط فيها قتلى كثيرون، والصادرة عن قصور الثقافة.

أتحفظ في البدء على العنوان، فالثورة مصطلح غير مناسب للقصة، لكن تفاصيل ما جرى وسرده بتدقيق وتوثيق يستحق الشكر إذ يعرفنا يدفعنا على طبيعة الشعور الوطني المصري تجاه الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى.

والقصة ببساطة تشير إلى تمرد فرقة في الجيش المصري في الصحراء الغربية على رأسها حكمدار مطروح نفسه، وهو اليوزباشي محمد صالح حرب( وصار في سنة 1939 وزيرا للحربية ) وبمشاركة 15 ضابطا و175 جنديا  مصريا وانضم إليهم نحو تسعة آلاف من أهالي مطروح والواحات وأعلنوا الحرب المسلحة على الإنجليز في ديسمبر 1915. وظلت الحرب مستعرة لثلاث سنوات كاملة، وسقط  خلالها قتلى من الجانبين.

وكانت تلك المعارك تُسمى خطأ بمعارك الجيش السنوسي ضد الإنجليز في الصحراء الغربية، غير أن البحث المطول والتفصيلي الذي قدمه عبد القادر طريف يؤكد أن المعارك جرت بين فرقة في الجيش المصري تقود مصريين والجيش البريطاني نفسه، وأن دعم السنوسيين للمتمردين المصريين لا يعني أبدا أنهم خاضوا هم من خاضوا المعركة.

ويورد البحث المتميز أسماء الضباط المصريين، وبيانات عنهم، فضلا عن أسماء العمد والمشايخ المصريين الذين شاركوا معهم في المعارك خلال تلك الفترة، ووصف تفصيلي للمعارك.

وكانت أولى معارك الفدائيين المصريين هي معركة وادي ماجد في 11 ديسمبر سنة 1915 وسقط خلالها 40 ضابطا إنجليزيا و80 جنديا صرعى، وتتالت المعارك بعدها، وتكبدت بريطانيا خسائر جمة.

وإذا كانت كتب التاريخ لم تشر للمقاومة المسلحة العنيفة التي سقط خلالها عشرات القتلى من الإنجليز والتي امتدت ثلاث سنوات، بل إن بعض المؤرخين مثل عبد الرحمن الرافعي اعتمد الرواية البريطانية بأن مجموعة من القوات السنوسية هاجمت كتائب الإنجليز في الصحراء الغربية، فإن الله يظهر الحق ولو بعد حين، حيث يقيض مَن ينهض لكشف حقيقة ما طمست ونُسي أصحابها.

ويتتبع مؤلف الكتاب مصائر رجال الثورة المسلحة فيشير إلى استشهاد البعض وهروب آخرين غربا وجنوبا، حتى أصدرت حكومة الشعب برئاسة سعد زغلول سنة 1925 عفوا تاما عن كافة المتمردين وسمحت لهم بالعودة دون عقوبات، فعاد بعض المشاركين وتولوا مناصب مهمة في الشرطة المصرية، وعاد محمد صالح حرب، وترقى في المناصب حتى وصل فيما بعد إلى منصب وزير الدفاع.

تلك صفحات منسية ووقائع مطموسة أعاد رسمها باحث مجتهد، فشكرا للشغف بالكشف، وطوبى للباحثين عن الحقيقة.

والله أعلم.

 

[email protected]