رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قد يتعجب البعض من ربطى بين الإنسان الرقمى والأصوليين؛ ولكن ما يحدث بين الحين والآخر بين العوام وما تفرزه مواقع التواصل الاجتماعى يؤكد أن صعود الأصوليات الدينية، كان نتاجها مزيداً من التردى والتراجع، فأصحابها يفكرون بعقلية تقويض النظام وتخريب العمران؛ ولا يقدرون على الإصلاح أو تحسين البناء، وللأسف تلك الأصولية الرجعية استفادت من التقنيات والتجهيزات والأسلحة الحديثة التى تستثمرها فى حروبها، بل جمعت الثروات الطائلة غير المشروعة؛ فى ظل عدم احترامها للحقوق وتقيدها حريات التفكير والتعبير والتنظيم. وأيقظت وحوش الإرهاب والفتن المذهبية فوضعت المجتمعات العربية بين فكى استبداد عقائدى وفساد منظم، والنتيجة مزيد من الفقر والتخلف والاستبداد؛ وانسداد الأفق واستهلاك الأفكار والوقوع بين براثن المعسكرات المتناحرة ومتواطئة على ما يشهده العالم العربى من العجز والتخلف والتقهقر وسوء السمعة فى الخارج، ليصبح عصر العولمة والمعلومة والصورة داء وليس دواء، وخاصة مع دعمها لنموذج الإنسان الرقمى، الذى بدأ يتصدر الواجهة، منذ عقدين، الذى أسهم فى تغييب الواقع، عبر شبكات التواصل بمختلف أنواعها.

 فالأصوليون وبعض مدعى العلم ببواطن الأمور والدعاة والمنظرين، وأصحاب الشعارات يشنون هجوماً على كل ما هو فى الصالح العام بين الحين والآخر بهجوم من اجل الهجوم؛ بكمية هائلة من الشر المحض، ونقابل ذلك بدفن رؤوسنا فى الرمال، متعامين عما يحدث، واقعين تحت رحمة عالم الإنسان الرقمى والأصوليين بأدواته ومفاهيمه وخريطته وقواه والفاعلين على مسرحه، لنعيش فى سبات عميق، لنفاجئ بأن المعطى قد تغير بقدر ما تغير مشهد الإنسان الرقمى والأصوليين، وتبددت الأحلام وقوضت الشعارات ولا منتج سوى الدمار؛ وبدلاً من الاستفادة من الثورة الرّقمية بقوتها الناعمة والفائقة نجد أنفسنا إزاء دمار لم يصنعه الرشاشات، بل فعله الإنسان الرقمى والأصوليين؛ والشاشات الخارقة للجدران الحديدية والعقائد المغلقة؛ واستراتيجيتها القاتلة والمدمرة، التى تنظر إلى الفرد، كعبد خاضع يمارس طقوس لا كمنتج ومشارك فى بناء بلاده. وللأسف أن ما يزرع داخل الإنسان الرقمى من الأصوليين يتماهى مع بعضه البعض. وما يحدث الآن يثبت نظرية المؤامرة والأجندات الخارجية. ولا شك فى أن هذا الكلام مثار جدل وخلاف، وخصوصا أن البعض يعتقد أن الإنسان الرقمى دليل على التقدم والرقى.

وهذا بالطبع حقيقى ولكن المأساة تكمن عند وقوعه تحت يد الأصوليين. فتضيع الهوية والخصوصية والحرية، وتقويض الحريات واستعباد العقول، يأتى هذا متزامناً مع ما نراه من الكثير من المثقفين الذين لا مصداقية لهم فيما يعلنون من مواقف، فهم ضد الاستبداد فى مكان ومعه فى مكان آخر؛ فينكشف عجزهم وهشاشتهم وجهلهم بالنفس وبالآخر والمجتمع والعالم؛ وخاصة فى ظل سيطرة عقولهم النرجسية وفكرهم الأحادى. والصادم أن هذا يحدث فى ظل عصر القنوات والشبكات، حيث تنتشر المعلومات وتتعولم الأفكار وتتشكل الهويات العابرة والمتداخلة، تنفتح الحكومات الناجحة والفعالة على الحراك الاجتماعى بكل دوائره ومستوياته، بقدر ما تعمل بمنطق أفقى ديمقراطى. والسؤال متى يتعلم الإنسان الرقمى أن لا أحد يتعامل مع بلده بوصفه مشروعه الخاص، لكى يحتكر الآراء فى شئون الاقتصاد والحروب والسلطة والثروة والمشروعية، فى نفس الوقت يدعى أن الدولة تحتكر الوصاية على العدالة والتنمية والحرية.

 فى حين أن عصرنا يؤكد أنه لا امتلاك للأجوبة النهائية والحلول القصوى للمشكلات، وإلا أفضى ذلك إلى الإخفاق والكوارث؛ وبالتالى علينا معرفة كيفية الاستفادة من ثورة المعلومات والاتصالات التى أتاحت البث والاتصال للصور والمعلومات بسرعة البرق، كما أنه ثمرة للفكر ولا مجال فيها بين الجمع بين الإنسان الرقمى والأصوليين؛ حتى يكون هناك صعود للأجيال الجديدة الشابة التى تستطيع الخروج من عقال الأيديولوجيات الإسمنتية والمنظمات الجهادية الإرهابية. بالنظر بعين البصيرة العاقلة؛ فيصبح الإنسان الرقمى نموذج فاعل مشارك فى صنع عالم مختلف وافتتاح عصر جديد لا يصنعه الأصوليين بل الكتب الرقمية. التى تصنع مستقبلاً جديداً تنكسر معه الصور النمطية السلبية عن العرب وتتشكل صورة جديدة مشرقة، بوصفهم من بناة الحضارة ومن صناع المعرفة والحداثة والتقدم، للمشاركة مع بقية الجماعات والأمم فى رسم مستقبل أفضل للبشرية.