رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

اعتاد الرجل على التنقل بالمواصلات العامة، لكن فى هذا اليوم تحديدا قرر أن يستقل تاكسيا، أوقفه وطلب منه التوجه إلى وزارة الدفاع. لم تكن الأجواء مستقرة، وكان عليه أن يصل فى موعده خاصة أنه اعتاد طوال حياته الالتزام بدقة مواعيده. أوقف الحرس التاكسى الذى ينقله، متسائلين عمن يكون، ففاجأهم بأن لديه موعدًا لحلف اليمين وزيرا. اندهش سائق التاكسى الذى لم يكن يعرف من هو زبونه، كما اندهش حرس وزارة الدفاع أن يروا وزيرا قادما لحلف اليمين بسيارة أجرة.

كان ذلك الرجل هو جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد ووزير التضامن الاجتماعى والعدالة الاجتماعية بعد أيام قليلة من ثورة يناير. من أقصى المعارضة جاء وزيرا فى وقت عصيب، مضطرب، مفعم بالتحولات والتقلبات الخطيرة، وهو ما يحكيه بلغة مفعمة بالتشويق والإثارة فى مذكراته الصادرة مؤخرا بعنوان « من الميدان إلى الديوان».

لقد دخل الرجل أعشاش الدبابير، بقوة وكبرياء ووعى بأن أى مسئول يمكن أن يؤدى دورا فى تصحيح الأوضاع المنقلبة. كان هناك قمح يتم استيراده من كازاخستان وتوريده للسلع التموينية، فسافر إلى هناك وتحرى عن الأمر واكتشف أن المستورد يغير السعر من 300 دولار إلى 360 دولارا للطن، ويختار أردأ أنواع القمح، فألغى التعاقد وأعاد الحكومة لتتعامل مباشرة مع موردى القمح.

واجه تهديدات مضارب الأرز بالتوقف عن العمل ما لم تذعن الحكومة لطلباتهم بزيادة الأسعار، واستدعى رئيس شعبة صناعة الأرز وأخبره أن الأرز يدخل ضمن الأمن الغذائى للمصريين وأن الاضراب سيواجه بالسجن، فأذعن أصحاب المضارب له ورضوا بأرباح معقولة.

لم يخضع للابتزاز من العاملين فى شركة مصر العليا للمطاحن الذين طالبوا بزيادات غير طبيعية فى رواتبهم وهددوا بالاضراب، وكان بينهم زملاء له فى حزب التجمع الاشتراكي، ورد بتحويلهم إلى النائب العام باعتبارهم ممتنعين عن العمل، ما دفعهم إلى الخضوع لمصلحة الدولة. ورد الرجل على اتهامات زملائه الاشتراكيين بأنه تغير بعد الوزارة قائلا إنه لم يتغير، لكن العدالة الاجتماعية تقتضى عدم حرمان البسطاء فى الصعيد من الدقيق المدعم لأن عمالا يريدون زيادة أجورهم.

فى زمن الاقتصاد الحر والتقدم الليبرالى كان مهما اللجوء لبعض الوقت للاشتراكية لمواجهة أزمات غير معتادة. لذا لم يكن غريبا أن يكلف الرجل بالوزارة من أحمد شفيق، ثم من الجنزورى فى حكومتيه، ثم تعرض عليه الوزارة من هشام قنديل ويرفضها قناعة بخطر الإخوان على الدولة الحديثة، ثم تعرض عليه الوزارة بعد ذلك من الدكتور حازم الببلاوى بعد 30 يونيو فيرفضها لاختلافه فى الرؤى مع الرجل.

فى جلسة عامة بعد انتخاب مرسى رئيسا، صفق الناس لما قاله بالتعهد بحل مشكلات مصر فى مئة يوم، وكان عبدالخالق وزيرا يتأهب للرحيل فطلب الكلمة، وقال إن من يقول بحل مشكلات مصر فى مئة يوم إما أنه لا يفهم مشكلات مصر، أو أنه يفهم ويقول أى كلام. ومشكلة الخبز تحديدا لا يمكن حلها فى مئة يوم. ثم وقف الرجل وقال إن لديه استمارات طبعها الإخوان فى الإسكندرية وكتبوا عليها « مديرية التموين» للسيطرة على توزيع الخبز، وإنه لن يسمح مادام وزيرا بذلك، لأن الخبز ملك المصريين لا الإخوان ولا الوفد ولا التجمع.

كان الرجل حادا، لكنها حدة المتشبث بحقوق الناس، المسئول عن مصالح الفقراء، الذى أصر ألا توضع حراسة على بيته، وأن يستغنى عن جيش المستشارين الموروث من سلفه، وأن يفتح بابه للبسطاء. ذلك وزير نادر، ومذكراته شهادة جديرة بالقراءة والتذكر.

[email protected]