رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بين السطور

بداية أنا لا أقر ولا أدافع عما حدث فى قطار الصعيد من قيام فلاح بركوب حماره معه داخل عربة الركاب بالقطار المميز القادم من نجع حمادى إلى الأقصر، مما أدى إلى تغريم صاحب الحمار مبلغ 500 جنيه عند وصوله لمحطة الأقصر، فقد تكون ليست هى الحالة الوحيدة، فمن الممكن أن يكون قد سبقها حالات مماثلة ولم يعلن عنها أو ربما يرتكب غيره نفس هذا المسلك، ولست بصدد تجريم لهذه الحالة أو دفاعاً عن صاحبها، أو نقدها مثلما حدث، لكننى بقراءة بسيطة وبعودة ذاكرتى لأحوال القرية كواحدة تربيت وسط القرى وما زلت متصلة بها أقول لكم إن الفلاح الأصيل أو ما يسمونه بالفلاح «الأرارى»، يكون رأسماله هو كم قطعة الماشية التى يبنى عليها آماله بجوار غيطه، وهم أصحابه الذين يصطحبهم ذهاباً وإياباً إلى أرضه التى يعتبرها مثل عرضه. بل ويصطحبهم إلى منزله وينام بجوارهم سواء وضعهم على مداود مفتوحة متراصة بجوار بعضها البعض أو وضعهم فى غرفة كبيرة مغلقة تسمى بـ«الزريبة» فيمضى ليله بجوارهم داخل مسكنه يعرف آلامهم وهزارهم وما إذا كانوا جوعى أو يجترون ما فى بطونهم، ومتى تلد ومتى يحصل منها على حليبها وغير ذلك، فالجاموسة تمثل له مصنعًا كاملًا وصديقته بل هى بنكنوته التى يبيع منها كل شىء وتدر له دخلًا يكاد يكون ثابتًا وتذهب معه للغيط، فمازال هناك قرى فى الدلتا والصعيد تستخدم هذه الحيوانات، خاصة الجاموسة والبقرة فى تشغيل الساقية.

وهكذا يكون حال الحمار هو صديق الفلاح الأول لما يتحمله من مشاق وتحميل التراب عليه والمحصول اليومى وخلافه حتى أطلقوا عليه فى الريف حمال الاسية  فتجد أن أول أمر يقوم به الفلاح صباحاً هو الاطمئنان على أكل وشرب وصحة بهائمه، خاصة الحمار، لقد أثبتت الدراسات العلمية وأوضحت أن الحمار، ذكي، وحذر، على عكس ما هو سائد ومعروف عنه من معلومات خاطئة عن الحمار بأنه غبى، إلا أنه ذكى جداً ويعرف طريقه جيداً من الغيط للمنزل بمفرده فى حالة إذا تعذر وجود أحد معه يذهب وهو محمل بكل شىء لبيت الفلاح. ويصدر صوته على الباب لينتبه من بداخله لوصوله ويقومون بإنزال ما على ظهره ثم يحملونه ما شاءوا ويذهب مرة أخرى إلى صاحبه فى الغيط. وتتوالى هذه الرحلات التى يقوم بها الحمار خاصة فى مواسم الحصاد، إن الحمار لديه صبر شديد تجاه صاحبه حتى حينما يثقل عليه فلا يئن. فتلك العلاقة وسرها بين الفلاح وحماره تكونت منذ القدم. وهى علاقة أبدية يحبها ويجلها الفلاح بل ويدافع عنها بكل ما أوتى من قوة مثلما يدافع عن أولاده، وهى من أنجح العلاقات الثنائية.

فمن الممكن أن يبيع الفلاح كل شىء حتى ذهب أهل بيته أو ما يطلقون عليها بالعامية السيغة، لشراء بهائمه وأرضه، بل يهرع ويصرخ إذا تألمت إحدى الدواب كما لو كان هى أحد أبنائه هو الذى يتألم، كما أن الفلاح يرفض ضرب حماره أو أى حيوان لديه حتى كلبه ويتعامل معهم بحنية ولطف شديد جدًا، لدرجة أنه حينما تزل قدم أى حيوان فى جرف مسقى أو ترعة ينزل الفلاح أسفل الدابة ويظل يصرخ ليحملها إلى بر الأمان وتقف معه لمواصلة المسيرة، فالفلاح هو الذى يعرف قيمة حماره، فهى علاقة عطاء ينتج عنها المنفعة المتبادلة وهى صداقة قوية ومتينة، لدرجة أن هذه العلاقة ضربت بها أمثالًا عدة.

إن كل ما ذكرته ما هو إلا بعض الحقائق لتلك العلاقة القويمة فأعربت عن مدى متانتها، أى أن الفلاح يفعل ما يشاء من أجل بهائمه، فلماذا لا تقوم هيئة السكة الحديد بتخصيص عربة بدون مقاعد تكون مهيئة لنقل هذه البهائم الخاصة بالفلاح حينما يود شراءهم أو اصطحابهم لقرية أو محافظة أخرى نظير مبلغ رمزى حتى لا يتكرر ما حدث فهو لا يفارقهم إلا بالموت، ولماذا لا نحافظ على هذه العلاقة وبلاش أحقاد على تلك العلاقة الرائعة.