عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

 

ببساطة.. التاريخ هو توثيق النشاط الإنسانى فى الحياة، ومحاولة لتفسير هذا النشاط.. وعندما يكون هذا الانسان هو المصري، والمكان هو مصر فإنك لابد أن تتوقف كثيراً.. وهكذا فعل حكمدار القاهرة الإنجليزى توماس راسل فى الفترة من 1918 إلى 1946.. عندما كتب مذكرات وترجمها لأول مرة الكاتب الصحفى «مصطفى عبيد» وصدرت مؤخراً بجهد خاص منه، ليس فقط فى البحث عن النسخة الإنجليزية للمذكرات.. ولكن بما قام به من ابداع فى ترجمتها بدقة وإحساس عميق بالمناخ الثقافى والسياسى العام وهو ما لم يفقد المذكرات «حداثتها» وكأنها نشرت منذ عام وليس من ٧٠ عاما!

صحيح.. المذكرات ليست الوحيدة فى نوعها إذا اعتبرناها كتاباً آخر من الكتب التى أصدرها رموز الاحتلال البريطانى فى مصر مثل يوميات اللورد منلر فى مصر، وكتاب مصر الحديثة للورد كرومر،و كتاب اللورد لويد «مصر فى عهد كرومر».. حتى موسوعة وصف مصر لعلماء الحملة الفرنسية على مصر، وايضاً مذكرات «جوزيف مارى مواريه» وهو أحد ضابط الحملة الفرنسية على مصر، التى سجل فيها يومياته.. ولكن تظل مذكرات توماس راسل فريدة من حيث إن كاتبها كان «موظفاً حكومياً» لدى الحكومة المصرية، وعمله كان تنفيذياً وليس ضابطاً فى جيش الاحتلال ولذلك جاءت المذكرات وكأنها رفعاً مساحياً للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمصرية من خلال الجرائم ونوعيتها خلال 44 عاماً (1902- 1946) عاشها «راسل» ضابطاً فى الداخلية المصرية منذ أن كان عمره 23 سنة حتى عاد الى بلاده وعمره 67 سنة!

صحيح تم استخدامه لتحقيق مصالح الاحتلال الانجليزى ولكنه كان شاهداً على جوانب الحياة فى مصر وشوارعها الخلفية.. ورغم أهمية ما أورده من أنشطة ذات علاقة بالجرائم المختلفة ولكن شهادته على أحداث ثورة ١٩١٩ الشعبية، كانت الأهم من حيث اكتشافه لمفاجأتين.. الأولى منهما هى رؤية حقيقة الشخصية المصرية، التى لم يبدُ أن المحتل لم يحسب لها حسابًا وخصوصا الفلاحين وأبناءهم من طلبة الأزهر، والطبقة المتوسطة من الموظفين وابنائهم من طلبة المدارس والجامعات.. فقد اعتاد التعامل مع مصر باعتبارها هى الملك والباشوات والأحزاب، وما تقوله أو تأمرهم به ينفذونه بدون اعتراض يذكر.. ولهذا اتخذت الحكومة البريطانية قرار نفى الزعيم سعد زغلول ورفاقه وكأنه واحد من مئات القرارات التى سبق واتخذتها دون رفض من النخبة المصرية.. أما المفاجأة الأخرى فكانت فى خروج النساء فى المظاهرات مثلها مثل الرجل وكما قال «راسل» فى مذكراته : « فى سنوات الصراع السياسي، كانت هناك وقائع طارئة بدأت كأحداث خطيرة، لكنها بالنسبة للجميع انتهت بشكل هزلي، وكانت أولى تلك الوقائع مظاهرة السيدات سنة 1919 وقد لجأت المتظاهرات إلى العنف، ولم تكن شرطة لندن مستعدة أو متوقعة للأمر، خاصة فى ظل النظرة السائدة للنساء فى المجتمع الشرقى باعتبارهن حريماً، ما جعل هجوم مظاهرة النساء يصيب العسكريين البريطانيين بالاضطراب ويدفعهم إلى التعامل بتهور مع النساء وأبنائهن..»! 

عموماً.. كتاب «حكمدار القاهرة».. مذكرات توماس راسل للمترجم المثقف البارع «مصطفى عبيد»، ممتعة فى القراءة، على كل المستويات.. سواء على مستوى فضول معايشة ما كان يجرى فى مصر خلال هذه الفترة المهمة فى تاريخ مصر المعاصر، أو للتعرف على طبيعة حياة المصريين فى كل المحافظات فى هذه الايام، أو على مستوى التصنيف العلمى من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. ولذلك أعتقد أنه من أهم الكتب التى صدرت هذا العام!

[email protected]