عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

ما الذى يدعو شخصاً ما أن ينبش فى أوراق قديمة، فيعيد حقاً مغتصباً أو يرد اعتبار مضطهد؟ ما يدفع كاتباً لا تربطه صلة قرابة أو علاقة تتلمذ بمبدع ما إلى تصحيح ذكره بعد مرور سنوات؟

إنه القدر الماكر الذى يُحمّس ويستحث إنساناً ما أن يُقلّب وينبش ويعيد التحقيق والبحث ليؤكد فكرة العدالة الإلهية التى تنتصر ولو بعد حين.

أتذكر قبل خمس سنوات عندما أصدرت كتابى «زينب الوكيل» عن سيرة حرم الزعيم مصطفى النحاس أن سألنى أفراد من أسرتها عما دفعنى للبحث والانشغال والمتابعة لأكتب ذلك الكتاب، فقلت بصدق إننى لا أعرف السبب. لا أعلم الدافع، فثمة ما بداخلى لا أراه يشجعنى أن أواصل البحث والتقصى، والعمل الدءوب مستهدفاً الإنصاف.

ذلك الدافع فى ظنى هو ما سيطرعلى الكاتب النابه خيرى حسن فى كتابه «أرواح على الهامش»، فأعاد إنصاف مبدعين عباقرة لم يجنوا ثمار عبقريتهم خلال حياتهم، وكأنه يقول للمنسيين إن عدالة السماء تأبى أن تغيبوا دون ذكر، وترحلوا دون أن يعرف الناس جمالكم.

ولا شك أن الفصل المخصص عن الشاعر العبقرى زكى عمر يذكرنا بمبدع نادر، أشبه بصائغ كلمات، ورسام من عصر النهضة يذوب رقة وجمالاً. إن رد الاعتبار للرجل لا يقتصر على كشف وإثبات أنه المؤلف الأول لأغنية « مدد. مدد. شدى حيلك يا بلد»، تلك التى بدلها وغيرها وغناها آخرون وحازوا بها النجومية القصوى، وإنما يمتد للتلذذ بقراءة ودراسة باقى قصائد الشاعر المظلوم، نتيجة مواقفه السياسية.

إن سحراً أخاذاً يفتننا ونحن نقرأ له قصيدة عن أمه يبثها هموم العدالة الاجتماعية المفقودة، يقول فيها: «ما كانتش بتعرف تقرأ وتكتب/ زيها زى أمهات أصحابي/ لكنها كانت تعرف تحسب/ فدان القمح يجيب كم كيلة حب/ والفرخة تنام كل يوم على بيضها وتفقس/ وتحل اللغز اللى ما يتحلش خالص/ إزاى الأجرة تزيد فى بداية الموسم/ وف آخر الموسم تنقص/ ما كانتش بتعرف تقرأ وتكتب/ لكنها كانت وقت حساب المالك، لبلب»

ونجدها نموذجاً لرفض التزلف والنفاق حيث يقول: «ماكانتش تحب تفاصل فى الأشياء/ كان مُر المُر وداء الداء/ إنك ما تاخدش كلامها مُسلم بيه/ (الواحد بس هيكدب لية)/ كانت، تلعن أم الكلمة اللى بوشين/ إزاى هيكون لك لون/ لو إنك عشت يا ولدى بلا أعداء».

وهى كذلك نموذج للضمير الحى الذى يرفض خداع مَن يكره، إذ يقول زكى عمر عنها «ما كانتش الله يرحمها تخاف مخلوق/ كانت تلعن خاش العمدة فى وشه/ لكنها كانت لما بتقبض قرشه/ علشان ما تنقى الدود من أرضه/ ما كانتش بترضى تغشه».

ونلمحه فى صوفية يردد: «فى بلدنا الأضيق من فنجان الشاى/ الناس مربوطة ف حبل اليوم الجاى/ وبرغم الفانتوم واللسكاى/ بنت العشرين محصول بتقول:/ إزاى ح يعدى الحول/ وإزاى ح تكون الحنة. الزفة. الدخلة إزاى؟».

هذا قلم فذ. أنا وجيلى مدينون باعتذار له ولأمثاله ممن لم نعرف، لم نقرأ، لم نحتف، لم نصفق. عباقرة الظل، الجماليين المستبعدين، النبهاء الزاهدين، الذين أدهشت إبداعاتهم معاصريهم، ثم استمرت تدهشنا وستدهش مَن يأتون بعدنا. وشكراً للمثقف النبيل خيرى حسن أن شمّر ساعديه ومدهما بالإنصاف لواحد من أجمل شعرائنا المنسيين.

والله أعلم.

[email protected] com