عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مع إصرار " المتصلة " أنني أم صفاء ( علي افتراض أن  أم صفاء تحظي بصوت عريض ) مع هذا الإصرار قررت أن أقتحم حياة " المتصلة " وأكون أم صفاء في إحدي المكالمات التليفونية :

انا : آلو مين معايا؟
المتصلة : ازيك يا أم صفاء مبترديش ليه .. فين الخضار اللي طلبته . 
أنا : خضار مين حضرتك، ومين أم صفاء؟
المتصلة : إنتي هتتعبيني ليه يا أم صفاء.. خدي معاكي نيرة إنتي زهقيني .
أنا : ايوه يا فندم . هو حضرتك بنتها ؟!
نيرة : هو حضرتك راجل كمان . أنا متاسفة والله دي والدتي ست كبيرة وعندها "زهايمر" وبتكلم بتاعة الخضار اللي اتوفت من زمان، بحاول والله معاها وصعبان عليا أوديها دار رعاية لحسن يبهدلوها زي منسمع كل يوم . 
أنا : لا حول ولا قوة الا بالله ( حوار داخلي بدون صوت)
نيرة : أنا متأسفة جدا علي الإزعاج . معلش مش هتتكرر تاني .
أنا : لا ولا يهمك سيبيها براحتها . لو مصرة ممكن تغيري آخر رقمين في الرقم بتاعي عندها يبقي 95 بدل من 59 .
نيرة : حضرتك هو كان متغير واللي قبلك طلب مني أغير فجه رقمك .
أنا : لحظات صمت .
نيرة : رحت فين يا استاذ؟
أنا : لا أبدا مع حضرتك . خلاص خليها براحتها .
نيرة : متشكرة جدا وآسفة تاني علي الإزعاج . 
أنا : ولا يهمك . مع السلامة . 
وبعد أن أغلقت الخط عقب انتهاء المكالمة التليفونية، استوقفني موقف نيرة من والدتها المسنة التي بلغت من العمر والمرض ما أفقدها ذاكرتها وتركيزها في التعامل مع الأشخاص، وكيف كانت نيرة بارة ورحيمة بوالدتها، وكيف تحملتها وصبرت عليها، فنحن كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن قصص الآباء والأمهات الذين يعانون من قسوة أبنائهم، وكثيرا ما نجد الآباء، وقد أصبحوا طاعنين في السن؛ نجدهم في دور المسنين بعد أن تخلي عنهم أبنائهم بلا رحمة، ومهما اختلفت الأسباب وتنوعت؛ إما بسبب الظروف المادية وغلاء المعيشة، وإما بسبب الظروف الاجتماعية وخلافات الأزواج أو الزوجات مع الحموات، وإما بسبب ضيق مساحة السكن وكثرة الأبناء، وغير ذلك من مبررات يتخذها الأبناء سببا لترك آبائهم ومعاملتهم بقسوة؛ يظل تقصير الأبناء في حق آبائهم ومعاملتهم بدون رحمة، أحد أوجه الخلل الاجتماعي في الأسرة التي يجب الوقوف عليها ومعالجتها.
ورغم المحاولات العديدة منذ عام 2017 لتعديل قانون العقوبات المصري رقم (58) لسنة 1937 ووضع نص خاص بعقوق الوالدين بحيث:" يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بعقوق والديه سواء بالسب أو القذف أو الإهانة أو الترك، وتضاعف العقوبة إذا ترتب على الفعل إحداث أضرار صحية بأى من الوالدين". إلا أنه حتي الآن لا تزال ترتكب جرائم القسوة في حق الآباء، بلا أية رحمة وبلا أي رادع سوي قدر قليل من الرفض الاجتماعي الذي سرعان ما يتلاشى ليصبح الوضع كما هو عليه.
ويعد بر الوالدين أحد أوجه الرحمة، التي علي الرغم من كونها كلمة صغيرة، إلا أن بين لفظها كمنطوق ومعناها كمقصود من الفرق مثل ما بين الشمس في شكلها الصغير الذي نراه، والشمس في حقيقتها الضخمة؛ فالرحمة ليست بالأمر البسيط كما قد يبدوا للبعض، وإنما تطلب كثيرا من التضحيات وبذل الجهد في سبيل تحقيقها، وعلى الإنسان أن يكون رحيماً بالبشر وبارا بوالديه، في سبيل رضا الله عز وجل. فالرحمة تجمع بين البشر.
وهذا ما تؤكده الآية الكريمة في قوله تعالي: وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا* رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا(الإسراء، 23-25)
وبذلك اتخذت قرارا بأن أتقمص دور أم صفاء لمدة خمس دقائق من حين لآخر .. وفي انتظار مكالمة أخري من أم نيرة كي أطمئن علي احوالها..