رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الناصية

مثل كثير من الأشياء المهمة التي لا نلتفت إليها وسط طوفان الأشياء التافهة التي ننشغل بها طول الوقت.. لم تسعىجهة إلى ترجمة وثيقة في غاية الأهمية عن التاريخ المصري الحديث، وهي «مذكرات توماس راسل» حكمدار القاهرة الإنجليزي في الفترة من 1918 إلى 1946.. وبمفرده بادر الكاتب الصحفي «مصطفى عبيد» بترجمة المذكرات التي أصدرها صاحبها عام 1949.. ومات بعدها مباشرة في ابريل من نفس العام وكأنه أراد أن يقول شهادته للتاريخ ويرحل.. ولا أعرف كيف لأكاديمية عريقة مثل أكاديمية الشرطة في مصر لم تحاول ترجمة هذه المذكرات، التي من المفترض أن تكون واحدة من المراجع الأساسية لتاريخ مدرسة البوليس المصري.. فهي تغطى مساحة 44 عاماً (1902 - 1946) عاشها هذا الإنجليزي ضابطاً في الداخلية المصرية منذ أن كان عمره 23 سنة وعاد إلى بلاده وعمره 67 سنة؟!

ويقول، مصطفي عبيد، في مقدمة الكتاب الذي ترجمه بحساسية وبراعة شديدين، وصدر عن دار الرواق للنشر بنفس الاسم «مذكرات توماس راسل» حكمدار القاهرة.. «سنوات طويلة حاول فيها المترجم الحصول على نسخة من الكتاب من دون نتيجة، حتى أعياه البحث بعد أن فشل في الاطلاع على نسخة وحيدة مكتوبة باللغة الفرنسية لا الإنجليزية ومحفوظة في مكتبة وزارة الداخلية، واضطر في النهاية إلى تحرير إعلان لشراء الكتاب عبر متجر الكتب من حائز كتب قديمة الإلكتروني «أمازون» ليتلقى بعد أيام عرض في بريطانيا. وكان من الغريب أنه لا توجد وسيلة لإرسال الكتب من بريطانيا إلى مصر؛ لذا فقد تم الاتفاق على إرساله إلى عنوان أحد الأصدقاء في ولاية نيوجيرسي الأمريكية، ليقدمه إلى كاتب السطور بعد تسلمه بعدة أشهر خلال زيارة اعتيادية لي لأمريكا».

إن أهمية «توماس راسل» وبالتالي مذكراته، ليس لأنه ضابط إنجليزي ولكن لطول فترة وجوده في مصر، وأهمية المنصب الرفيع الذي تولاه في الداخلية، وخدمته في كل مديرية أو محافظة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وكذلك في الصحراء الغربية حتى حدود ليبيا وعلى امتداد طول البحر الأحمر.. حتى إن المناطق التي لم يخدم فيها تعمد زيارتها في رحلات للصيد والسياحة.. يضاف إلى كل ذلك أن الفترة التي خدم خلالها هي من أهم الفترات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تاريخ مصر!

وأعتقد أن «راسل» كان من الإنجليز القلائل الذين خدموا طوال هذه الفترة خلال فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر التي امتدت لنحو 70 عاماً، وهذا يعنى أن قضى أكثر من نصف فترة الاحتلال متنقلا من منصب إلى منصب حتى تولى منصب حكمدار القاهرة، ليتابع تطور الجريمة في مصر عبر العشرينات والثلاثينات والأربعينات.. حيث تضمن الكتاب (376) صفحة جوانب مختلف من أنواع الجرائم مثل السرقات العادية وطبيعتها وجرائم القتل والثأر، ولصوص الآثار، والدعارة، وصالات القمار.. أما بالنسبة إلى المخدرات فهو يقدم خريطة كاملة عن أنواعها من الحشيش والكوكايين وحتى الأفيون والهيرويين، وطرق تهريبها وأساليب المهربين.. والأهم يجيب عن سؤال خطير وهو لماذا يشربها عامة الناس في مصر؟!

مذكرات حكمدار القاهرة توماس راسل للكاتب المترجم «مصطفى عبيد»، أعتقد أنها من أهم الكتب التي صدرت هذا العام.. فهي لا تعتبر مرجعا أساسيا للجريمة فقط، ولكنها مرجع تاريخي وسياسي واقتصادي واجتماعي.. وربما هي واحدة من أبرز مذكرات اللوردات الثلاثة الأشهر عن مصر.. كرومر ومنلر ولويد..لأسباب عديدة، وهو ما نعرفه الأسبوع القادم!

[email protected]