عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

لا تسقط الفجائع من ذاكرة البشر، لا يمكن شطب المذابح ونسيانها، وحتى فناء الأجيال الشاهدة لا ينزع جذور الوجع.

لم يكن غريبًا أن ترفض فرنسا مرة تلو مرة، وساسة بعد آخرين الاعتذار للجزائرعما ارتكبته من فظائع ومذابح مزرية خلال فترة استعمار طالت 130 سنة، فمثل هذا الاعتذار يحملها تعويضات والتزامات تجاه الجزائر وشعبها مثلما يحدث في أي محكمة انصاف دولية، لكن استمرار تجاهل جرائم هي الأبشع في تاريخ الاستعمار، يسمح لجذور الكراهية أن تمتد ويفتح الباب لسرطان الإرهاب أن  يتسع ويتمدد.

في سنوات الثورة الجزائرية 1954ـ1962مارست فرنسا مختلف ضروب التعذيب ضد سكان الجزائر، وكان الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران وزير الداخلية وقتها مسئولا مسئولية مباشرة عن أوامر قتل خارج القانون، وتعذيب حتى الموت للثوار والمطالبين باستقلال فرنسا.

وفيما بعد اعترف الضابط الفرنسي بول أوسارس في  مذكراته المعنونة "أجهزة خاصة " أنه مارس شخصيا إجراءات تعسفية وأساليب قمع وحشية ضد الثوار الجزائريين كان من بينها التعذيب الجسدي والنفسي والقتل العمد، وقال إن ميتران وساسة فرنسيين آخرين كانوا يحاطون علما بهذه الإجراءات ويحثون عليها وعلى تنفيذها دون تردد.

ولم تقتصر آلة الإرهاب والقهر على الجزائريين وحدهم وإنما امتدت إلى الفرنسيين المعترضين على الاحتلال الفرنسي للجزائر، ففي 17 اكتوبر سنة 1961 نظم مثقفون فرنسيون بالتعاطف مع جزائريين مقيمين في فرنسا مظاهرات حاشدة ضد الحرب في الجزائر وواجها موريس بابون مدير شرطة باريس بعنف شديد وصل إلى إلقاء القبض على المتظاهرين وتقييدهم وإلقائهم في نهر السين.

وهناك نماذج حية للمثقفين الفرنسيين رأت في القمع الفرنسي توحشا وانحطاطا أخلاقيا، منهم العالم موريس أودان،وهو أستاذ في علم الرياضيات، كان يعمل في جامعة الجزائر وساند الثوار وقبض عليه بتهمة إيواء مسلحين جزائريين وتعرض للتعذيب الشديد وبعد عشرة أيام أعلنت فرنسا أنه هرب خلال نقله من سجن إلى آخر. واستمرت الرواية الرسمية سائدة حتى سنة 2014 عندما قال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند أن أودان لم يهرب وأنه مات تحت التعذيب.

وبدا الاعتراف مفاجأة، لكنه جرى كاعتذار مقدم لأسرة مناضل فرنسي نبيل رفض القمع والوحشية وآمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، لكن المطلوب الآن هو اعتذار كامل عن جرائم السلف الفرنسي المتوحش ضد شعب دولة أخرى، بهدف محو كراهية متوارثة تفتح الباب لميلاد إرهابيين جدد في أوروبا.

إن جرائم فرنسا في الجزائر تتجاوز تصورات أي عقل ولا تقتصر على فكرة « المليون شهيد» التي نعرفها من كتب التاريخ. فمثلا قامت فرنسا في نهاية سنوات الاحتلال بإجراء 17 تفجير نووي في صحراء الجزائر على سبيل التجربة نتج عنه مصرع 45 ألف إنسان، فضلا عن إصابة أجيال تالية بمرض السرطان نتيجة الإشعاعات المنبعثة.

وفي مايو سنة 1945 واجهت فرنسا مظاهرات ابتهاج الجزائريين بانتصار الحلفاء في الحرب العالمية ومنهم فرنسا مطالبة بالوفاء بوعود الاستقلال فقتلت أكثر من 40 ألف جزائري. وكان من الفظائع ما ابتكره بيجار للقضاء على الثوار إذ كان يختطف النشطاء من منازلهم حتى بلغ عدد من قام بالقبض عليهم في سنة 1957 وحدها ثمانية آلاف شخص، وكان يتم توقيفهم وصب أسمنت على أجسادهم ثم يتم إلقاؤهم في البحر، وبعد الاستقلال وجدت قوالب أسمنتية عديدة لهؤلاء الثوار.

تلك كانت بعض حكايات الإرهاب الفرنسي في الجزائر. فمتى تعتذر؟

الله أعلم.

 

 

[email protected]