عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

 

 

 

 

«رجل عجوز استبد به الخرف، يكتب بقلم يقطر بالحقد الأسود، إنها محنة.. أن رجلاً رفعته مصر لمكانته الأدبية إلى مستوى القمة، ينحدر إلى الحضيض فى أواخر عمره»!. هكذا تحدث الرئيس السادات عن توفيق الحكيم بعد أن أطلق كالقذيفة ما عرف فى تاريخنا الحديث بـ«بيان الأدباء»، الذى كان مؤازراً لانتفاضة حركة الطلاب وقتذاك، ووقعه نجيب محفوظ وكوكبة من مفكرى ومبدعى ومثقفى مصر. حرك البيان الشهير المياه الراكدة فى الوطن، التى عكستها حالة «اللاسلم واللاحرب»، قبيل حرب أكتوبر المجيدة عام 1973. تخَلَّقَ رأى عام فى مصر يرفض المراوغة ودغدغة المشاعر بكلمات من قبيل «هذا عام الحسم» ونحو ذلك. شكل البيان ضغطاً كبيراً على السادات، حتى أنه ناصب «الحكيم» العداء ووصفه بالخرف فى آخر عمره. وما يهمنا من أثر البيان أنه تجاوز الأدباء والمثقفين إلى الجماهير.. ما يعنى أن المثقفين والمبدعين كانوا يقودون الشارع فى الماضي.

وهذا ما ترجوه هذه السطور، لكن هذه المرة ليس على صعيد الحرب، وإنما على جبهات السلام الاجتماعى فى مصر. لقد ذهب أغلب رموز الأدب والفكر فى مصر، الذين صاغوا تاريخهم واسمهم بحروف من نور، وبقى بعضهم يتخاطفهم اليوم واحدا إثر الآخر، ومن دون أن يساهموا فى تقديم خلفائهم ممن يقبعون فى الصفوف الأخرى إلى المقدمة، رغم استحقاق بعضهم لها! هناك أسباب يتعلق بعضها بالأنانية والرغبة فى احتكار المشهد الثقافى حتى آخر العمر، وهؤلاء لم يغالبوا ضعفهم الإنسانى، فيقدمون للناس من يخلفونهم فى حمل الراية وإثبات الوجود. المثقف المبدع يقود أمته ويواجه معها قضاياها ومشكلاتها. صحيح أنه ليس منزها عن الأخطاء ولكن لديه حداً معينا من القيم الإنسانية والمجتمعية لا يتخلى عنها فى كتاباته، وتجدها متضمنة فى نصوصه ونقده الفكرى والفنى للعمل الأدبي. والشعراء مازال لهم سطوة امتلاك القلوب ولهم قدرة «زرقاء اليمامة» على التنبؤ بالمستقبل، حتى مع نرجسيتهم وربما صراعهم مع بعضهم البعض على أمور تافهة أو صغيرة. لكن كل هذا لا يجعلهم بعيدين بهذا القدر عن روح المجتمع وقلبه الذى بات يعانى الخواء والفراغ غير المسبوق، فلم يعد كتاب يغير أمة ولا قصيدة تلفت انتباه الناس فيرددونها ويلفون بها كل الارجاء فتصبح ايقونة عصرهم. لم يعد بالإمكان صياغة بيان أدباء ومثقفين جديد فى ظل هذه الوضعية المزرية فى الداخل.

  إن شيئا مما أحدثه بيان (الحكيم ورفاقه) من آثار هو ما يحتاجه الوطن: هزة اجتماعية عنيفة، تزلزل الناس، وتعيدهم إلى إنسانيتهم. صدئت قلوبهم، فنبذوا بعضهم وهددوا بعضهم وحولوا الحياة والحب إلى حرب. تفاقمت الكراهية بين الرفاق فى العمل وفى الشارع والحقل وفى المسجد والدير.. صاروا يفشون النميمة ويعمقون النقيصة ويشيعون الجهل والكذب ويمارسون الخداع بأعلى مستويات فنونه المبتكرة. كراهيتهم لتفوق الآخر وصدق موهبته وتفردها تكفى لإشعال حرب عليه. لا يمكن لمسئول أو قيادى أن يلحق من هو أجدر أو أكثر كفاءة بعمل إلى جواره لأنه يخشى أن يحل محله يوما ما! هل يليق هذا ببلد كانت تميزه دوما «روحه» المبدعة، فإذا بنا اليوم نبحث فيه عن خفقة روح واحده فلا نجد إلا مواتا؟