عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رؤى

 

 

 

 

قبل أن تتحول حديقة النقابة إلى حوائط أسمنتية، كنت أراه جالسا فى حديقة المبنى يتذكر لمن يجالسه ما كتبه من أخبار وموضوعات وتقارير ومقالات، سمعته كثيرا يشير إلى أسماء وزراء وبعض مسئولين فى الدولة، أكد استجابتهم إلى ما كتبه، يمتلك ذاكرة حديدية، يحمل أرشيفه فى رأسه، يجتر عناوين وتواريخ وأرقام صفحات، يستدعى ما ميزه، أحيانا يميل إلى حقيبته، يدس يده ويخرج قصاصات صغيرة ويشير إلى اسمه، ويروى كيف كان بعضها حديث الشارع والمسئولين، غالبا ما يتسربون من حوله، لحظات ويكتشف أن الطاولة خلت إلا منه، يدخل فى كرسيه ويمد رجليه فى الشمس، وينظر إلى لا شيء، كنت فى بداية حياتى الصحفية مفعمًا بحلم التغيير، فى كتابة تدفع إلى حياة أخرى، تفتح طريقًا شديد الوعورة، تنفض غبار التخلف، تشارك فى صياغة واقع جديد، ترفع الظلم والقهر والفساد عن كاهل الفقراء والبسطاء، وعندما رأيته لأول مرة تخيلتنى فيه وتيقنت من اللحظة، عدت إلى غرفتى تحسست عدة ورقات صحفية، قرأت ما نشرته : .. أحرف سوداء صغيرة، عبارات إنشائية فارغة، ماذا فعلت؟، هل من قيمة لها؟، ما الذى يتبقى منها؟، أذكر أننى لم أشعر بسعادة عندما نشر اسمى لأول مرة، كما أننى لم أنشغل حتى اليوم برؤيته منشورا، قلبت فيما نشر وتخيلتنى أجلس فى حديقة النقابة، أجتر من ذاكرتى عناوين وتواريخ وأرقام صفحات، وأحكى العديد من القصص التى ولدت ونسجت فى أوهامي، مزقت صفحات الصحف، جميعها وقتية مرتبطة بالعابر واللحظة.. لماذا أبقى عليها؟، النقاش ليس له أرشيفه، لا يحمل صور المنازل التى دهنها، السباك لم يحتفظ بالحنفيات التى أصلحها، ولا بعناوين المنازل التى دخلها، ماسح الأحذية لا يذكر عدد الأرجل التى وضعت أمامه، ولا ملامح أصحابها أو لون بشرتهم، ينكفىء على الحذاء يغسل ويجفف ويورنش ويلمع ، عندما ينتهى من واحدة يضرب بالفرشاة على الصندوق، يعطيه الزبون الأخرى، يغسل ويجفف ويورنش ويلمع، لماذا أحتفظ بما ارتبط بالعابر، بما وصف لحظة؟، بعضنا ينشر اسمه يوميا، وبعضنا ينشر كل لحظة، وبعضنا يكتب ويتكلم فى التلفاز، عند تقاعده أو ابتعاده لفترة تتداخل ملامحه بالآخرين، ويتوه اسمه بين الأسماء، ويصعب تذكره من بين أبطال اللحظة، بعضنا يحارب ويقاتل ويطعن ويشى من أجل العابر واللحظة، وبعضنا ينسحب وينطوى ويتأفف ترفعا من مزاحمة محترفى اللحظة، بعضنا لا يرى اللحظة، وبعضنا يتمنى اللحظة، ومعظمنا انجرف لحظة وراء لحظة، نسير بقصاصات ورقية، نتقمص ملامحه، طريقته فى الحكى، كيفية جلوسه، نجتر من ذاكرتنا أرشيف سنوات من اللحظة، نرتدى ثوب الأبطال والشرفاء وكتاب اللحظة.

[email protected]