رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فى الحقيقة إنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهن المتلقّى حول مفهوم مصطلح «الصفقة» هو الربح الماليّ، كونه مرتبطا، بشكل أو بآخر، بالتداول التجاريّ الذى تنحصر غايته الأساسية فى الربح أولا ودائما، إلا أنه ليس بالضرورة أن يكون هناك فى كلّ الأحوال طرف رابح وآخر خاسر فى عملية التبادل التجاريّ، طالما أنّ ربح جهة ما لا يشترط خسارة الجهة الأخرى. أمّا فى عالم السياسة فالوضع مختلف، ففى كلّ صفقة هناك رابح وخاسر، مع توهّم الخاسر أنّه أيضا يربح بشكل أو بآخر، ليس ماء وجهه فقط، بل النجاة من موقف ما يمكن أن يؤدّى إلى خسارة أكبر، نتيجة قوّة الطرف الآخر، الذى لا يكون زبونا أو شريكا إنما خصم.

وعادة ما يضحَى لهذا الربح بخسارة ماء الوجه، لكنها تبدو ربحا أمام خسارة أكبر تمّ تجنّبها عن طريق عقد الصفقة التى من طبيعتها أن تكون غير عادلة الأطراف. والربح والخسارة هنا أشبه بلعبة شدّ الحبل بين طرفين أقواهما يجرّ الآخر إلى التهلكة برضاه ودونما أية إثارة للمسألة الأخلاقية، أمّا الوسيط، الذى هو الحبل، فهو الرابح الأقوى أو الخفيّ فى هذه اللعبة.

ولو أمعنّا فى أطراف المعادلة- اللعبة- لوجدنا أنّها الصورة المشوّهة والقاتمة والتى يُدفع بها بديلا عن مفهوم «التسوية»، كونها جزءا من خطاب السياسة ومفرداتها، وجوهر العملية التى عليها تقوم المفاوضات والمعاهدات والاتفاقيات السياسية، سواء الخارجية باسم الدولة أو الحلف المكوّن من مجموعة دول، أو داخليا بين الأحزاب والتيّارات والجبهات وغير ذلك من المحاصصات السياسية المعروفة. بالإضافة إلى أنّ توظيفها فى عالم السياسة هو فى محلّه ولا تثار حوله أيّة شبهة أو غبار، فالمفهوم مشتقّ لغويا من نفس جذر المساواة والتساوى والسواسية. لكن المحير هو أن تحلّ مفردة «الصفقة» محلّ هذه المفردة! والتى لا يمكن أبدا تأويلها بأيّ منحى أخلاقيّ، أو حتى حياديتها على الأقل!!

استطرادا لو فتّشنا فى قاموس المفردات السياسية فنادرا ما نرى بأنه تمّ استعمال مفردة «الصفقة»، والحقّ أننا لا نعرف بالضبط كيف تسربت هذه المفردة إلى أن تكون الآن جزءا من المفردات فى الخطاب السياسيّ، ولعلّ السبب ربما يعود، إلى أنّ من يدير عالم السياسة فى وقتنا إنما ينطلقون من الخلفية التجارية أو الاقتصادية، وهو أمر ممكن لو نظرنا فى أعضاء البرلمانات سواء فى العالم العربيّ أو العالميّ، فإنّ أغلب البرلمانيين هم أصحاب شركات تجارية ورجال الأعمال، وهذا الأمر ينطبق على رجال السلطة أيضا، فليس الرئيس الأمريكى رجل الأعمال الوحيد بين الرؤساء، وهو أيضا سيعود كذلك فور انتهاء ولايته، كذلك غالبية من حوله هم أصحاب شركات وأعمال.. وهكذا دواليك. بمعنى آخر، إنّ وجود مفردة الصفقة وتوظيفها بدل «التسوية» فى عالم السياسة ربما سببها أنّ أصحاب القرار السياسيّ اليوم غالبيتهم ينحدرون من خلفية تجارية، فرضوا على الحقل الجديد الوافدين إليه مفاهيمهم وغاياتهم وطرق تفكيرهم.

ولو نظرنا أخلاقيا إلى مفهوم «الصفقة» نجد أنها لا تعير أيّ اهتمام للجانب الإنسانيّ، فهى طاحونة ضحاياها البشر، أمّا فى «التسوية»، وهى الأكثر نخبوية، فالجميع يربح لأنّهم عبر «التسوية» بين الطرفين المتنازعين ينتقلون من مرحلة مأزومة إلى مرحلة منفرجة تحظى بمزيد من الأمان والنشاط.

ومن هذا المنطلق والواقع فإن أى من المفهومين لا ينطبق على طرح «نتانياهو–ترامب» لحل القضية الفلسطينية فهى لا تعدو عن حلحلة لواقع وتحرك من جانب واحد سياسيًا وشعبيًا لكسب شعبية آخذة فى التناقص مع قرب استحقاقات انتخابية، وذلك دون الاتصال أو الاتفاق مع الطرف الأصيل «الفلسطينيون» بطريقة أو أخرى سواء من قريب أو بعيد، الأمر الذى بموجبه تم رفض تلك المبادرة جملة وتفصيلًا وعليه فمن العيب ترديد تلك المصطلحات وإضفاء قدر من الاهتمام بها بوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة إلا بما تستحق.