رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بدون رتوش

ما زالت ليبيا تعيش فى قلب أحداث جسام تحركها أيادٍ أجنبية تتصدرها تركيا أردوغان الحالم بإعادة الإمبراطورية العثمانية إلى الحياة من جديد. وهنا يتساءل المرء: لماذا تخاطر تركيا بتورط أعمق فى الصراع فى ليبيا؟ يغيب عن أردوغان أن مغامراته فى ليبيا قد توقع بلاده فى شر أعمالها وتقودها إلى تعميق تورطها فى الصراع أكثر وأكثر، خاصة بعد قرار أردوغان إرسال قوات لدعم حكومة الوفاق الأمر الذى سيمثل مرحلة جديدة من تدويل القتال هناك.

ولهذا سارعت تركيا فأمدت حكومة السراج بمدرعات، كما قامت بتشغيل طائرات بدون طيار لصالحها. ويبدو أن دور القوات التركية فى ليبيا سيركز على مهام التدريب والاستشارات. حتى إذا وجدت حكومة السراج نفسها فى مأزق لا تستطيع الخروج منه فإن تركيا عندئذ ستكون مجبرة على الانخراط المباشر فى القتال. ولهذا يبقى الدور المناط بأية قوات تبعث بها تركيا إلى ليبيا فى وضع لم تتحدد معالمه بعد.

ولا شك أن ما يقوم به أردوغان فى ليبيا حتى الآن يمثل أكبر تهديد لوحدة أراضيها وسيادتها. بل ويعد انتهاكًا لأمن أوروبا ودول ساحل البحر الأبيض المتوسط. ولقد أمعن أردوغان فى قلب الحقائق مرة أخرى من خلال عدم الوفاء بوعوده بشأن إنهاء التدخل فى الأزمة الليبية، وبالتالى أخل بالتعهدات التى تم إقرارها فى اجتماع قمة برلين الذى عقد فى 19 يناير الماضى ولا أدل على ذلك من رصد فرنسا مؤخرًا لسفن تركية تنقل مرتزقة سوريين إلى ليبيا وهو ما يمثل بالقطع انتهاكًا واضحًا وخطيرًا لما تم الاتفاق عليه فى برلين، ولما تعهد به أردوغان من عدم التدخل فى الحرب الأهلية الدائرة فى ليبيا، ولما تعهد به من دعم حظر الأسلحة الذى تفرضه الأمم المتحدة على الدولة منذ 2011. بيد أن أردوغان أخل بالالتزامات فرأينا طائرات الشحن المحملة بالأسلحة والعربات المدرعة والمستشارين والمقاتلين التى وصلت إلى مطارات فى ليبيا.

ورأينا فجر الأربعاء الماضى وصول جنود أتراك على متن بارجتين حربيتين تركيتين فى سابقة هى الأولى من نوعها منذ بدء تركيا إرسال جنود ومرتزقة لدعم قوات حكومة الوفاق فى معارك طرابلس الأمر الذى يهدد بدخول البلاد فى جولة متجددة ومكثفة من القتال. أى أن أردوغان انتهك الهدنة، فانهارت بسبب ذلك محاولات التوسط من أجل وقف دائم لإطلاق النار وهى التى عقدت فى موسكو الشهر الماضى.

أما العامل الذى حرك القضية وجعل كل العواصم مهتمة فجأة بحل الأزمة الطاحنة فهو الاتفاق الأمنى البحرى الذى وقعه أردوغان مع السراج فى نوفمبر الماضى. ولا شك أن المصلحة العليا لتركيا هى المحرك الرئيسى للسياسة الخارجية والمعيار البراجماتى. ولن تستمر تركيا فى ذلك وستضطر لاحقًا لتقليص حجم طموحاتها مما سينعكس سلبًا عليها يتجسد فى تحولات داخلية لديها. وتبقى محاولات أردوغان على التواجد فى ليبيا مرتكزة على المنفعة، فعينه على ثرواتها الطبيعية، فضلًا عن أنه يريد استعادة السيطرة عليها لأسباب تاريخية واهية ومخزية. واليوم نجد أنفسنا أمام ديناميكية جيوسياسية مقلقة فى الملف الليبى. ولكن يمكن انتزاع استقرار على المدى القصير بانتظار بلورة ملامح واضحة لحل سياسى نهائى لابد منه وإن طال الطريق.