رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

«لا شىء يعلو على الكتب، الإنسان الذى يسير وراء غيرها لا يُصيب نجاحاً، ليتنى أجعلك تحب الكتب»، بهذه الكلمات والتعاليم التى قالها الحكيم المصرى «خيتى دواوف» لابنه «بيبى» منذ 3300 عام مضت، بل ويزيد هذا المفكر المصرى قائلاً: «أحبب الكتب مثل حبك لأمك فليس فى الحياة ما هو أغلى منها».

هكذا اكتشف المصرى القديم قيمة القراءة والتعليم كمقياس لحضارته العظيمة، ومؤشر لرقيه وتقدمه فى الحياة بين الأمم والحضارات وتدلنا البرديات المحفوظة والكتابات على جدران المعابد والمقابر المصرية القديمة إلى أهمية ومكانة القراءة والكتابة فى حياة المصريين القدماء منذ آلاف السنين، حيث تقول إحدى هذه البرديات التى كتبها المدرس لتلاميذه: «إنّ كاتبا واحدا لأعز قيمة من بيت البانى، ومن مقصورة فى الغرب (الحياة الأخرى)، وأجمل من قصر مشيّد، ومن نصب تذكارى فى معبد».

ووفقاً للمعتقدات المصرية القديمة، اتخذ المصرى للكتابة معبودين هما «تحوتى» إله المعرفة والذى يرمز له بطائر «المنجل»، الذى يبحث عن الديدان فى الأرض بمنقاره أثناء الحرث ليخلصها من الشوائب، وهى إشارة إلى الباحث فى باطن المعرفة الذى يهدف إلى المعرفة الخالصة التى لا تشوبها شائبة، كما يرمز للكتابة والتدوين بالإلهة «سشات» التى تسجل وتدون كل المعرفة.

وكل ذلك إن دل على شىء فهو يدل على أن الانسان المصرى منذ فجر تاريخه القديم يعى جيداً أهمية القراءة فى بناء المعرفة وتنمية الوعى، كما يعى أنها هى ما يميز الانسان فهو القادر وحده على أن يبدع ويسجل نتاج ابداعه بوسائل شتى تطورت مع تطور وعيه ومعارفه ؛ فقد ابتدع الانسان المصرى القديم الحروف اللغوية وصنع منها الألفاظ والعبارات التى يمكنه من خلالها حفظ هذه الابداعات، وسجل هذه الابداعات فى البداية على الحوائط وجدران المعابد ثم اخترع ورق البردى ليسهل حمل هذه المعارف ويسرع من تداولها بين المهتمين وعموم الناس الذين يمتلكون مهارة القراءة والكتابة. ومن هنا كانت تلك المقولات الرائعة التى سجلها التاريخ عن فلاسفة وحكماء مصر القديمة الذين قدسوا الكتابة وعلموا أنفسهم والعالم مدى وضرورة احترام الكاتب والكتابة.

وإنى لأعجب من أولئك الذين يتعجبون اليوم من اقبال المصريين على زيارة معارض الكتب وحرصهم على شراء ما استطاعوا حمله من كتب فى شتى فروع المعرفة والعلم. أولئك الذين يستهويهم المقارنة بين المصريين وغيرهم من الأمم القارئة ويحلو لهم الاستناد على احصاءات نسب القراءة بين الشعوب ليبرهنوا لنا على أننا من أقل شعوب العالم حباً للقراءة وحباً للكتب والكتاب ! والحقيقة أن هؤلاء يتناسون أن الظروف الموضوعية المختلفة وراء هذه الظاهرة التى يتخذون منها دليلا دليلا على التخلف وغياب الوعى لدى ما يسمونهم ظلما وعدوانا أيضا – شعوب العالم الثالث، ففى واقع الأمر أن الانسان المصرى مظلوم فى ذلك لأنه يعيش فى ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية تفرض عليه ذلك، إذ من أين تتوفر له الموارد المالية التى يشترى بها الكتب فى ظل تدنى مرتبه وقدراته الشرائية التى بالكاد تكفى بعض وليس كل حاجاته الأساسية ومن ثم يكاد يقضى ليله ونهاره بالكامل، متنقلاً من عمل إلى آخر ليستطيع استكمال نفقاته ونفقات أسرته الضرورية! فمن أين اذن يأتى بالوقت الذى يقرأ فيه ومن أين يأتى بالوقت الذى يذهب فيه إلى ندوة ويستمتع بمناقشة كتاب؟! أين هى الظروف الموضوعية التى توفر له امكانية قراءة كتاب فى احدى المواصلات العامة مثلا مثلما يحدث فى بلاد الغرب المتقدمة؟!

إن الانسان المصرى لا يزال ونحن فى العقد الثالث من القرن الحادى والعشرين يعانى من أمية القراءة والكتابة ولا يجد من المدارس ومجانية التعليم الحقيقية ما يجعله قادراً على ممارسة أهم حقوقه فى الحياة بعد حق الحياة نفسه وهو حق التعلم - تعلم القراءة والكتابة على أقل تقدير!!

كفانا إذن ظلماً للإنسان المصرى المعاصر فقد قهرته الظروف المعيشية وجعلته يلهث وراء لقمة العيش بدلاً من أن يستمتع بجودة الحياة، وعلينا كدولة وكمؤسسات ثقافية أن نوفر له الظروف المعيشية التى تجعله قادراً بحق على ممارسة أعظم حقوق الانسان بعد حق الحياة وهو حق التعلم والقراءة ليكون قادراً على تجديد حياته بتجديد وعيه وتنمية قدراته الابداعية والانتاجية بكثرة القراءة ونمو المعرفة.

[email protected]