رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

تفصلنا أيام فقط عن هذا التاريخ المشئوم؟

كنت فى «طحانوب» صبيحة يوم 12 فبراير 1970، مع إشراقة ذلك الصباح، وبينما كانت حرب الاستنزاف تستنزف العدو على الجبهة، اندفع الإسرائيليون بكل خسة ونذالة فأغاروا على المدن الآمنة! قصفوا مدينة أبوزعبل بمحافظة القليوبية وضربوا بالنابالم مصنع أبوزعبل وكان به 1300 عامل، فاستشهد منهم 70 وأصيب 69، وحرق المصنع.

العدو الذى كان يئن من ضربات ومعارك رأس العش وشدوان وإيلات، أراد أن يخفف من وطأة القتال عليه، فذهب يضرب المدنيين والأبرياء العُزَّل، ليخيف الجبهة الداخلية ويعلن قدرته على الوصول إلى قلب القاهرة حتى يجبر عبدالناصر على وقف القتال، كان عمرى وقتها عشر سنوات بالتمام والكمال، لا أعرف ما إذا كان شعراء ومبدعو القليوبية ومنهم الشاعر الكبير رفعت سلام قد وثقوا تلك اللحظة المريعة بأشعارهم أو أساليبهم الأدبية، فقد كانوا أكبر منى وأقرب منى إلى المدينة التى نكبت بالخطايا الصهيونية، لكنى أذكر أن وعيى تفتح فى تلك اللحظة التى شاهدنا فيها طائرات العدو، تضرب ضربتها المجرمة، ثم كتل اللهب وهى تتكور فى السماء، مخلفة عشراء الشهداء، ثم تعود أدراجها، تاركة الوطن يغلى غارقاً فى دماء شهدائه.

حينما ذهبنا إلى المدرسة فى اليوم التالى، كانت الصحف تتأبط أذرع مدرسينا وكانوا كباراً مقاماً وقيمة، فحينما دخلوا الفصول حدثونا عن حرب الاستنزاف وعن المذبحة الفاجرة فى أبوزعبل، والعجيب أننا شعرنا بأن قلوبنا باتت أقوى من النابالم، بعدها بشهرين أو أكثر قرر الأنذال أن يلقوا بغضب آخر أكثر فجوراً، فذهبوا هذه المرة إلى محافظة الشرقية وارتكبوا جريمة وثقها الشاعر الوطنى العظيم فؤاد حداد بقصيدة حزينة دامعة معمدة بنار القلب المكتوى بالنابالم يقول فيها: «مدرستى بحر البقر الابتدائية.. كراستى مكتوب عليها تاريخ اليوم.. مكتوب على الكراس اسمى.. سايل عليه عرقى ودمى.. من الجراح اللى فى جسمى.. ومن شفايف بتنادى.. يا بلادى يا بلادى.. أنا بحبك يا بلادى». خلد حداد مذبحة مدرسة بحر البقر بقصيدته، ليتذكر العالم وحشية العدوان الإسرائيلى يوم 8 أبريل عام 1970، ففى هذا اليوم غدر الطيران الإسرائيلى بمدرسة بحر البقر «2» واستشهد 19 تلميذاً بينهم 3 تلميذات وأصيب 50 طفلاً بإصابات وعاهات مستديمة، ولم يتبق من الشهداء سوى كراريس وكتاب حساب وأقلام رصاص، وضعت بمتحف داخل مدرسة شهداء بحر البقر، ويشهد عليها نصب تذكارى يقع بمدخل القرية يحتوى على أسماء الشهداء، بعده أبدع عمنا العظيم صلاح جاهين وأوغل فى إوجاعنا بقصيدته الباكية - المقاومة: «الدرس انتهى لموا الكراريس التى ما زالت حية فى ضمائر كل من له ضمير فى هذا العالم» غنت هذه القصيدة بصوت كأنه خارج من جوف هذه الأرض.. يشبه نغمات الأرغول.. الفنانة شادية، من ألحان الرائع سيد مكاوى.

اليوم وبعد كل هذه السنوات أنا فى طحانوب.. تفصلنا عن ذكرى المذبحتين بضعة أيام وأسابيع، وما زلت أرى النابالم الإسرائيلى يشعل كل الرقاع العربية وليست أراضى مصر وحدها، ومع هذا يريدون لنا أن ننسى، وأن نترك وراءنا هذه الذكريات وهذه المجازر التى ما زالوا يرتكبونها فى أراضينا المحتلة.. وما زالوا يتبجحون ويريدون منا الموافقة على «صفعة» القرن!

[email protected]