رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

التراث الشعبى لأى أمة مثل النهر التاريخى الذى يغذى الأرض والبشر  ويقيم الحضارة على ضفتيه، مما يجعلنا نقول بأن إهمال الفلكلور الشعبى القبطى أو تجاهله يعادل التفريط فى مياه نهر كتب تاريخنا على ضفتيه  وحملت أمواجه ذكرياتنا جيلا بعد جيل.

فى مؤلفه الرائع " المسلمون والأقباط فى إطار الجماعة الوطنية " يتوقف المفكر الجليل المستشار طارق البشرى أمام عام 1928 ويقول إنه ليس عام ثورة ولا حرب ولا انتفاضات ولا معاهدات، ولكنه سيظل عاما فارقا ومفرقا للجماعة الوطنية المصرية – مسلمين وأقباطا – فهو العام الذى احتدم فيه الصراع السياسى حول الأزهر والكنيسة، والعام الذى تأسست خلاله جماعة الاخوان المسلمين وجمعية الشبان المسلمين  .. قراءة الحالة المصرية قبل هذا التاريخ بقليل تطلعنا على طبيعة العلاقة الجامعة بين المسلمين والأقباط فى مصر خاصة على أرضية تراثهم الشعبى، وذلك من خلال تقرير المبعوث الإنجليزى  " جون بورنج " الى بلمرستون وزير خارجية بريطانيا عام 1837 حول ما يميز  هذه العلاقة والتى كان الانجليز يعلقون على تمزيقها كل خططهم المستقبلية فى الاحتلال والبقاء بهذا البلد.. كتب يقول : ينظر الأتراك لأقباط مصر كطائفة منبوذة من الشعب المصرى ، ولكن ثمة شيئا من التعاطف بين القبط وأبناء العرب " المسلمين " ولعله نتيجة ما يقاسمونه جميعا من آلام .. وأضاف جون بورنج .. لا يعرف عن عادات القبط المنزلية إلا القليل شأنهم فى ذلك شأن المسلمين، فالحجاب مضروب على نسائهم كما هو مضروب على نساء المسلمين، وفى الريف القبط كالمسلمين يؤمنون بالخرافات الشائعة فى البلاد سواء كانت تلك الخرافات راجعة الى أصل إسلامى أم الى أصل مسيحي-  نفس المصدر السابق  .

وحسب  رأى الباحث عصام ستاتى فى مؤلفه القيم  مقدمة فى الفلكلور القبطى  يقول : بسطاء المصريين هم روح المعتقد الشعبى والذين يشكلون دين الحرافيش – إن جاز التعبير – موالدهم مشتركة ، مأثوراتهم الغنائية وألحانهم الشعبية مشتركة ، يعانون من ازدراء مشترك لما يمارسونه ويحبونه " . التدين الشعبى والذى نقصد به فهم البسطاء للدين خرج منه وتراكم ما نسميه بالفولكلور ، ولأقباط مصر إسهامات عظيمة فى تراكم هذا الفلكلور والحفاظ عليه . المعنى الحقيقى للثقافة الشعبية المصرية التى هى مزيج نادر من إنتاج قبط ومسلمى مصر. إنها الوقود الحقيقى لعبقرية الشخصية المصرية التى تتجلى فى اللغة حتى اليوم، والتى تهددها مخاطر حقيقية فى غيبة من الوعى الرسمى للدولة المصرية المعاصرة  ..

الأديان فى الدنيا كلها لم تنتشر من خلال نخب المتعلمين، ولكن حملها البسطاء فى ضمائرهم حتى من قبل ظهورها .. تؤكد قصة أول مصرى يعتنق المسيحية هذه الحقيقة عندما وصل مرقص الرسول الى مدينة الإسكندرية، وكان صندله قد تمزق من طول المسير، فذهب الى إسكافى يدعى " إنياتوس " فى سوق المدينة وأثناء إصلاحه للصندل دخل المخراز بإصبعه، فصرخ قائلا : يا إلهى الحى ، وهنا سأله مرقص الرسول " أتعرف من هو الإله الحى – رد الإسكافى لا – فقال له مرقص أنا أعرفه . وأصر الإسكافى أن يعرف ويتعلم من مرقص وصحبه الى بيته ، وكان هذا الإسكافى أول مصرى – حسب المصادر الكنسية – يعتنق المسيحية والتى انتشرت فيما بعد بين أهالى الإسكندرية .. عبقرية  الشخصية المصرية تكمن فى قدرتها على تذويب التاريخ داخلها وإعادة لإنتاجه فى صورة ثقافة شعبية أكثر عبقرية .. ظاهرة الموالد مثلا قديمة قدم المصريين كما يقول الباحث " عصام ستاتى " ويؤكد أن الموالد فى الحضارة المصرية القديمة هى امتداد لاحتفالات مدن وقرى مصر بآلهتها مرة كل عام . ومع دخول المسيحية والاسلام فيما بعد الى مصر استبدل المصريون – قبطا ومسلمين – الآلهة القديمة بالقديسين والأولياء والتمسوا منهم البركة  وقت زيارتهم لضريح هذا القديس أو ذلك الولى  .. ومن المدهش أن هناك إلى اليوم احتفالات تقام فى نفس مواعيد الاحتفالات المصرية القديمة، حيث نجد مولدا إسلاميا لا يتبع التقويم الهجرى مثل مولد " الإمبابى " الذى يقام فى بؤونة   16يوليو  وهو التاريخ الذى كان المصريون القدماء ينتظرون فيه الدمعة الغامضة لـ " إيزيس " ولأن عيد إيزيس كان عيد قوارب فنجد المسلمين والأقباط معا يحتفلون بهذا العيد   بركوب الفلايك والقوارب معا .. هذه الشخصية المصرية العبقرية تتعرض اليوم لعواصف غبية هبت من صحارى المشرق العربى حينا، وحينا آخر من حالة اللاوعى الرسمية بثروة توشك على الضياع والتشوه اسمها التراث الشعبى .