رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

يوم غير عادى ولن أقول «أسود» وعلى اى منا يصلى قبله كثيراً صلوات نوافل وتقرب لله، وأن يدعو كثيراً دعوات قضاء الحاجة، وأن يتصل بوالدته إن كانت على قيد الحياة ويطلب منها أن تدعو له كثيراً بالتيسير مثلما كانت تدعو له أيام الامتحانات زمان، نعم لأنه يوم غير عادى، يوم «أسود»، لأنه متوجه إلى مصلحة حكومية لقضاء مصلحة أو استخراج ورقة، أو رخصة قيادة أو حتى شهادة ميلاد، لأنه سيقابل اليوم سوء أخلاق الموظفين «إلا من رحم ربى» وتعاملهم البشع الذى ينطوى على العجرفة والإذلال والقهر، وسوء الخدمة، وتدنى مستوى الآليات التى تقدم الخدمة أصلاً ككمبيوتر قديم تالف، وسيستم واقع، وموظف لا يعرف أصلاً كيف يتعامل مع هذا الجهاز المعجزة، ناهيك عن أن معظم المصالح لا تزال تعمل بنظام الملفات وأكداس الورق، وعشرات الأختام والتوقيعات، والمدير أو المسئول الغائب، أو المزوغ  - والذى لا تتم الورقة «صك الغفران» إلا بتوقيعه الميمون - لا يتواجد بسحره فى المصلحة إلا ما ندر، ما يضطر المواطن إلى العودة غداً وبعد غد لإتمام مصلحته.

أقول فى الدول المتقدمة تم حل مشكلة الموظف «الديكتاتور»، بزرع كاميرات مراقبة فى الهيئة أو المصلحة الحكومية، بدءاً من الباب الخارجى إلى أصغر مكتب، لمراقبة الموظفين وكل العاملين بدقة، الكاميرات مرتبطة بغرفة مركزية، والويل لمن يتعامل مع مواطن بصورة سيئة، أو يعرقل مصلحة، أو يحابى أو يميز معارف وأصدقاء، وبالطبع رشوة أى موظف غير معروفة تماماً «إنهم لا يشربون الشاى على حساب المواطنين»، وهذا ليس لأن الكاميرات تراقب، ولكن لأن هذه الأيديولوجية غير موجودة أساساً فى نسيج أفكارهم أو أسلوب عملهم، فالموظف يعتبر نفسه يداً من أيادى الحكومة، أو سفيراً لها أمام المواطن، ولأنه يحترم حكومة بلده التى تحترمه بدورها وتعطيه حقوقه من أجر يكفيه ستراً، ومكان عمل نظيف وراق، ومكاتب محترمة فهو بالتالى يعطى العمل كل حقه، ولا يدخر جهداً أبداً فى خدمة المواطنين والتيسير عليهم بمنتهى اللطف والابتسام والشياكة.

الموظف فى الدول المتقدمة محظور أن يهدر لحظة من وقت العمل فى شىء خاص بها، لا مكالمة تليفون، ولا استقبال زائر بصورة شخصية، فقط له ساعة راحة «بريك» فى منتصف النهار ليستريح فيها، يأكل من كافتيريا المؤسسة، ويشرب ما يريد، وينهى مكالماته الشخصية، ليعود بعدها للعمل كجندى على جبهة القتال، لا يرمش له جفن بعيداً عن عمله، والعمل هناك يبدأ من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء باستثناء ساعة الراحة، أى ثماني ساعات عمل كاملة.

ومن هنا مصالح المواطنين تقضى بسهولة ويسر، فى هيئات مميكنة، لها آليات متقدمة، ناهيك عن مظهر الموظف هناك وشكله الذى «يفتح النفس»، وكثيراً ما تلجأ المؤسسات هناك إلى توحيد الزى للموظفين، أولاً لدرء التفاوت فى المظهر أو المبالغة فيه، ولتوفر على الموظفين استهلاك ملابسهم فى العمل.

وسأقتطع هنا وللأسف جزءا من مقولة للنازى أدولف هتلر: إنّ الانسان لا يُناضل إلا من أجل ما يُحِبّ، ولا يُحِبّ إلا ما هو حريٌّ بالتقدير والاحترام، فكيف يُطلب من مواطن أن يُحبّ وطنه ويُقدّرُه وهو لا يشعر فى قرارة نفسه بأنّه ينعم بما تُؤمّنُه الدول الأخرى لرعاياها من أمن ورفاهية! وسأستخلص المضمون الذى أبتغى الوصول إليه، إذا أردنا تنمية حقيقية مستدامة لتنغنى بها حقاً من قلوبنا وضمائرنا، فعلينا أن ننمى المصالح والمؤسسات الحكومية والقطاع العام، أن ننمى البشر على التوازى مع الحجر، أن يتم إخضاع كل الموظفين العموميين إلى دورات تدريب وتأهيل دائمة، لحسن التعامل مع المواطنين، وسرعة الأداء والدقة فى التنفيذ، أن يتم تطوير البنايات والمكاتب ومناخ العمل ككل، لأنه جزء من التنمية البشرية، فلا يتعلل موظف بأن مناخ العمل البشع هو دافعه لسوء الخلق والمعاملة مع المواطنين وتعطيل مصالحهم، أن يتم زرع كاميرات فى تلك المصالح لتراقب، طالما غابت رقابة الضمير ونسى الموظفون «إلا من رحم ربى» أن هناك رقيبا أعلى هو الله سبحانه، وللحديث بقية.

 

[email protected]