عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مراجعات

هناك لحظات قاسية، تمر على الإنسان بصعوبة، وكأنها سنوات من الألم.. لا يستطيع حيالها فعل أي شيء، بل يرجو لو كان بإمكانه حذفها ومحوها من ذاكرته.

لعل الأصعب من ذلك أن تشعر بالوحدة.. لا أحد يفهم ألمك، أو يهتم لأمرك.. في تلك اللحظات لن يشعر مَن حولك بما يجري في داخلك، أو يزلزل كيانك، ويهدم خلايا عقلك.

وفي المقابل، هناك كثيرون لا يرغبون في مواجهة الحقائق، ولا يقبلون الاعتراف بالواقع، فيظلون مكابرين ومعاندين- لأنفسهم قبل غيرهم- من أجل التبرير، أو في محاولة بائسة لإصلاح وترميم علاقات انتهت بالفعل!

إذن، من الضروري مواجهة الحقائق، رغم قسوتها، وهَجْر هؤلاء الذين تسببوا لك في إيذاء نفسي، بما سبَّبوه من آلام يصعب محوها، سواء أكانوا أصدقاء أو زملاء أو حتى أقارب وأحباء.. ولتكن آخر كلماتك لهم: «لقد نفد رصيدكم من المحبة».

أحيانًا، قد لا تستطيع فعل أي شيء، بل تقف مكتوف الأيدي، رغم ما تتعرض له من قهر أو ظلم وإجحاف، لأن سهام الغدر قد طالتك ممن يُفترض فيهم أنهم من ذوي القربى!

قديمًا قالوا إن الصبر على الأذى في معاملات الناس من سمات النفس الكبيرة والكريمة.. ولكن، لا شيء أصعب على النفس، حين يأتي الصدود والنكران والجحود والإيذاء من حيث انتظرنا الإنصاف والرحمة، خصوصًا ذوي القربى.

ورغم تعدد المفاهيم والمبادئ السامية للرحمة والتراحم، نجد كثيرين من ذوي الأرحام أصيبوا فى أخلاقهم وتعاملاتهم، فاشتعلت في قلوبهم نيران البغضاء والكراهية، بدلًا من أن تسكنها أواصر المودة!

مع الأسف، أصبحنا نعيش في زمن عقيم.. زمان العتاب والمحاسبة والملامة، الذي ارتفع فيه سقف المشاحنات، وتعددت به صور الظلم، فلا يُكتفى بالقطيعة والإيذاء النفسي، بل تخطى الاعتداء والغدر، إلى تمني السوء والهلاك !

ربما مَن وصل أو تجاوز العقد الخامس من العمر يتذكر قصة «حزمة الحطب» المعبرة والمؤثرة، في كتاب القراءة بالصف الثاني الابتدائي، التي تحكي أن رجلًا حكيمًا أحس بدنو أجله، فجمع أولاده حوله، وطلب منهم إحضار حزمة من الحطب قد شدَّت عيدانها معًا، فأمسك بها الأب وأعطاها لأكبر أبنائه، وأمره بكسرها، فاستعصت عليه.. وهكذا فشل الآخرون تباعًا، وعندما أعطاهم فرادى، عودًا واحدًا، استطاع كلٌّ منهم كسره!!

هكذا تكون القربى وروابط الدم، لأنهم ببساطة مصدر القوة، باتحادهم وترابطهم، وهم السند عند الشدائد، والحصن المنيع عند الفزع.. كما أنهم أيضًا المؤازرون والمناصرون، وعلى الشدائد معينون.

ورغم أنهم قد يكونون مصدر قوة ومنَعَة وخير وبركة، فهم أيضًا سببًا كافيًا للضعف والذلة، وبابًا مفتوحًا على مصراعيه للشر والضرر، ومصدرًا للإزعاج وعدم الطمأنينة، في حال تغيَّرت النفوس، واضطربت العلاقات.

أخيرًا.. يقول «المقنع الكندي»:

يُعَاتِبُنِي فِي الدَّيْنِ قَوْمِي وَإِنَّمَـا

دُيُونِيَ فِي أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُمْ حَمْدَا

أَسُدُّ بِهِ مَا قَدْ أَخَلُّوا وَضَيَّعُوا

ثُغُورَ حُقُوقٍ مَا أَطَاقُوا لَهَا سَدَّا

فَمَا زَادَنِي الْإِقْتَارُ إِلاَّ تَقَرُّبًا

وَمَا زَادَنِي فَضْلُ الْغِنَى مِنْهُمُ بُعْدَا

أَرَاهُمْ إِلَى نَصْرِي بِطَاءً وإنْ هُمُ

دَعَوْنِي إِلَى نَصْرٍ أَتَيْتُهُمُ شَدَّا

فَإِنْ أَكَلُوا لَحْمِي وَفَرْتُ لُحُومَهُمْ

وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدا

وَإِنْ ضَيَّعُوا غَيْبَي حَفِظْتُ غُيُوبَهُمْ

وإنْ هُمْ هَوُوا غَيِّي هَوِيتُ لَهُمْ رَشْدًا

وَلاَ أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيمَ عَلَيْهِمُ

وَلَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الحِقْدَا

لهُمْ جُلُّ مَالِي إِنْ تَتَابَعَ لِي غِنًى

وَإِنْ قَلَّ مَالِي لَمْ أُكَلِّفْهُمُ رِفْدَا

[email protected]