رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نحو المستقبل

يتجه عالمنا المعاصر بكل ما فيه من تكنولوجيات إلى نوع من الآلية والمادية المفرطة سواء فى الحياة العامة أو حتى فى الحياة العلمية؛ ففى الحياة العامة نجد الناس تلهث وراء تحقيق مطالب الجسد المادية واشباع رغباته اللذية المتجددة، وفى الحياة العلمية نجد تركيز العلماء والباحثين على تطوير أنماط جديدة من التكنولوجيات التى تساعد الإنسان على تحقيق هذه الرغبات والاستمتاع باللذات دون بذل أى مجهود بدنى أو عقلى، وفى نظمنا التعليمية أصبحت الآلة بديلا لإعمال العقل والخيال ؛ فلم يعد الطالب يستعمل عقله أو خياله فى الجمع والطرح والحساب وحتى لم يعد يبذل جهدا فى تركيب الجمل والعبارات الصحيحة لغويًا بل كل ما هنالك أنه يرص ما لديه من معلومات فى أوراق الاجابة سواء مستخدمًا ذاكرته الطبيعية أو نقلا من الكتاب الذى أصبح مسموحًا بحمله أثناء تأدية الامتحانات ! وأضيف إلى هذا وذاك أنه لم يعد هناك أدنى اهتمام بتنمية مهارات الانسان الابداعية كما لم يعد هناك اهتمام بتخصيص وقت ليقرأ فيه المتعلم رواية جديدة أو لمشاهدة عرض مسرحي أو فيلم سينمائي حتى وإن كان لهما علاقة بالمادة العلمية التى سيدرسها أو يدرسها بالفعل!

لقد أصبحت حياة شبابنا جافة وسطحية وتركز على ممارسة اللذات الحسية والسعى بكل الوسائل لتحصيل أكبر قدر من الثروة فى أسرع وقت ممكن لتسهيل ممارسة هذه الحياة الرخوة التى لا تعب فيها ولاعناء. لقد أصبحوا يفضلون الجلوس معظم ساعات الليل والنهار أمام أجهزة الحاسوب ليس حتى للقراءة والتعلم بل لمتابعة أخبار الشلل والفضائح والفيديوهات الفاضحة، وفى أكثر الأحيان أصبحوا يستسهلون الأمر أكثر فحلت أجهزة التليفون المحمول الحديثة بكل ما فيها من إمكانيات محل أجهزة الحاسوب، ومن ثم توحدوا مع جهازهم المحمول لدرجة أنك لا تجد أحدهم فى البيت أو فى الفصل أو فى المدرج أو فى العمل إلا وهو ينظر فيه ويتعامل معه إما بالمشاهدة والبحث أو بالكتابة والحديث!

ربما يكون هذا الجيل بالفعل أكثر ذكاء وأكثر قدرة وربما تكون حياتهم أكثر سهولة ؛ فهذه الأجهزة قد أصبحت بالفعل كالمكتبات المتنقلة التى بإمكان الإنسان استخدام ما فيها من معلومات لا محدودة فى أى وقت وبلا حدود ! لكن هل تكفى غزارة المعلومات وكثرتها للإبداع؟! وهل معنى امتلاكى مكتبتى فى جيبى أننى قد أصبح لدى إمكانيات إعداد البحث الجيد أو الوصول إلى كشف علمى جديد؟!

لقد قال أينشتين فى أحد أحاديثه: «إننى أعتبر نفسى فنانًا بما يكفى لأبحر بحرية فى خيالاتى، فالتخيل أهم بكثير من المعرفة، المعرفة محدودة لكن الخيال يطوف العالم برمته». ولا شك أن الخيال والتخيل يلعبان دورًا مهمًا وخطيرًا فى الابداع العلمى ولو لم يكن لدى العالم أو الباحث الوقت أو القدرة عليهما لفقد بلا شك القدرة على الإضافة العلمية، ناهيك عن القدرة على الإبداع الحقيقى فى مجال علمه ! إن الخيال هو المحفز للالهام الذى ربما يكون هو أهم أسس اكتشاف الجديد والتقاط الومضة الابداعية. إن المتابعة اللاهثة لما يجرى حولنا والانشغال الدائم بتحقيق مطالب الحياة اليومية لا ينبغى أن يكون حائلا دون الخلود إلى الراحة واطلاق العنان للخيال، وبنفس القدر لا ينبغى للباحث أو للعالم أن يظل أسيرا طوال الوقت لمتابعة أبحاثه التجريبية مستخدما مناهجه العلمية سواء كانت استقرائية أم استدلالية وينتظر النتائج المنطقية لفروضه أو لتجاربه المعملية أو لأبحاثه التطبيقية، فما أكثر ما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن! ولذا ينبغى أن نكون ذوى عقول منفتحة فلا نقف عند حدود توقع نتائج معينة لما نفترضه من فروض. وقديمًا قال الفيلسوف اليونانى الفذ هيراقليطس: إن لم تتوقع ما ليس متوقعًا، فلن تجد الحقيقة أبدًا وهو نفسه الذى قال أيضًا إن المعلومات الكثيرة لا تكفى للفهم. إن الخروج عن المألوف والتفكير فى غير المفكر فيه هو أساس إبداع المبدعين. فلندرب أنفسنا وأبناءنا على تخصيص وقت للتأمل الحر ليتمكنوا من استخدام مهارات التفكير الإبداعى التى أهمها إطلاق العنان لخيالهم بعيدًا عن استخدام الحاسوب والمعلومات المعلبة والامتحانات التقليدية والموضوعية، ففى هذا وذاك قتل لمهاراتهم الابداعية بالضبط كما أنهم يقتلونها طوال الوقت بامعان النظر إلى حواسبهم وتليفوناتهم المحمولة.