عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

حينما تناولت فى المقال الماضى مشكلة الخدمات الجديدة لشركة «وى» من خلال حالتى الشخصية لم أكن فى ذلك أعرض لأمر خاص، وإنما لمشكلة عامة يتمثل جوهرها من وجهة نظري، فى رفع غير مباشر لسعر الخدمة بشكل يتعارض مع مقتضيات التطور التى تفرض تراجع هذا السعر مع كل تقدم فى مستويات تقديمها، فضلًا عن محدودية القدرة الاقتصادية للمواطن المصرى والتى تقصر عن مواكبة ذلك الرفع الذى قد يصل متوسطه فى بعض الحالات إلى نحو مائة بالمائة من سعر الخدمة الأصلي.

بعيدًا عن هذا وذاك وفى ضوء فلسفة استخدام شبكة الإنترنت فى دولة مثل مصر، فإن هذا الجانب، المتعلق بتيسير استخدام الخدمة يكتسب بعدًا بالغ الأهمية، إلى الحد الذى يفرض ليس فقط تخفيض كلفة استخدام النت، وإنما أيضا دعمها، حيث يتوافق ذلك مع ويعزز أهداف الدولة فى التحول إلى مجتمع رقمى تتراجع معه على المستوى القومى تكلفة تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين بما يمثل فى التحليل النهائى وفرًا قوميًا، فضلًا عن السهولة واليسر اللذين يمكن للمواطن أن يلقاهما فى الوصول إلى ذات الخدمات التى يتلقاها الآن بشكل غير إلكترونى بقدر من المعاناة والصعوبة.

إن نظرة على مستوى انتشار استخدامات الإنترنت فى مصر يكشف عن تدنيها رغم بعض الرؤى التى تشير إلى أننا فى مستوى متقدم كمصريين فى استخدام الشبكة. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن عدد مشتركى النت المنزلى يصل لنحو 5.43 مليون اشتراك حتى نهاية فبراير 2018، مقارنة بنحو 4.37 مليون فى نفس الفترة من 2017، وهو رقم ربما يعد ضئيلًا إذا ما قورن بإجمالى عدد السكان فى مصر والذى يتجاوز مائة مليون نسمة، دعك فى هذا الصدد من البيانات التى تشير إلى أن عدد مستخدمى النت عبر الهاتف المحمول يقدر بنحو 32 مليون مستخدم، حيث إن الاستخدامات الأساسية إنما تجرى عبر الهاتف الأرضى فضلًا عن الطبيعة العرضية وغير المستمرة لاشتراك الهاتف المحمول.

تتضح أبعاد ما نذهب إليه إذا ما استعرضنا رؤية الدولة ذاتها فى هذا المجال والتى عبر عنها الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وأكد خلالها أن وزارته تستهدف المساهمة فى بناء مصر الرقمية والتحول الرقمى من خلال تطويع التكنولوجيا فى خدمة المواطن بشتى مناحى الحياة اليومية. وفى تفسيره للتحول الرقمى راح يشير إلى أنه يقصد به تقديم الخدمات المرور والتوثيق وغيرها من خدمات حكومية من خلال منظومات تستخدم الحاسب الآلى، مشيرًا إلى أن المواطن فى المستقبل القريب سيحصل على الخدمة فى محل إقامته أو مقر عمله دون الذهاب للجهة أو المصلحة الحكومية.

فى تقديرى أن النظام الجديد والذى يضع قيودًا على استخدام النت من خلال فرضه أسعارًا أعلى على الاستخدامات الأوسع إنما يعرقل هذا النهج من التفكير ويضع فكرة العائد المالى المباشر والسريع فى أولوياته متغاضيًا عن العائد غير المباشر والأكثر قيمة.

ولكى أوضح الصورة بشكل أكثر تبسيطًا على نحو تصل معه للقارئ أشير إلى ما يقوم به قطاع البنوك من أجل الوصول إلى مرحلة عليا من الرقمنة، وهو ينطلق فى ذلك من رؤى ذاتية بعيدًا عن أو تكاملًا مع رؤية الدولة، وما يحكمه فى ذلك هو تعظيم مكاسبه. ويتجلى ذلك فى توسع هذا القطاع فى الخدمات التى يسعى لتقديمها من خلال شبكة الإنترنت وهو ما يمثل وفرًا فى عدد الفروع التى يفترض أن تقدم الخدمة للعملاء، وكذا الحد من أعداد الموظفين، فضلًا عن الحد من التكلفة المتنوعة التى تنتج عن هذا الوضع. بمعنى آخر إن ما يدفعه مثل هذا القطاع لتطوير ذاته ورقمنة خدماته إنما يعود عليه فى شكل وفر فى نفقات التشغيل المختلفة، بل والحد من المشاكل التى يواجهها العملاء وتيسير قضائهم لمصالحهم.

الفلسفة ذاتها يمكن، بل يجب العمل بها على مستوى الدولة، ولك أن تتخيل معى لو أن عددًا محدودًا من القطاعات تم تعميم الخدمات الإلكترونية بها بالكامل مثل خدمات المرور، أو خدمات الرعاية الصحية.. إن ذلك سيمثل ثورة فى العلاقة بين المواطن والدولة، وهو أمر لن يتحقق إلا بتيسير استخدام الإنترنت بتخفيض سعره وتوسيع مدى استخدامه، وأتصور أن أى حديث عن «مصر المتقدمة» دون تحقق هذا التصور إنما يعد ضربًا من العبث.

فضلًا عما سبق، إذا أخذنا فى الاعتبار دور شبكة الإنترنت كوسيلة تعليمية يمكن تعميم أنظمة متنوعة من خلالها، وهو أمر قائم إلى حد كبير، وتسعى وزارة التربية والتعليم إلى التوسع فى هذا النهج تطبيقًا لتوجهات الدولة، فضلًا عما تتيحه من فضاء تثقيفى ومعرفى واسع، بعيدًا عن الاستخدامات السيئة لها من قبل بعض القطاعات خاصة الشباب، فإن ذلك يوضح مدى قصور الرؤية القائمة على أن خدمة النت لا ينبغى أن تمثل للمزود سوى وسيلة لاستعادة ما أنفقه من استثمارات وزيادة معدلات الربحية.

باختصار النت ليست مجرد فلوس فقط تدخل للخزينة.. أى خزينة.. وإنما استثمار يمكن أن يرتقى بالشعب.. وإذا كان هناك توجه غير ذلك، فمن أول الواجبات إعادة النظر فيه إذا كانت دعاوى الرغبة فى التقدم حقيقية تتجاوز مجرد الشعارات.

 

[email protected]