عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

كتاب «فلسفة التفاهة» الذى ظهر فى 2018 للكاتب الكندى «الآن دونو»، وتمت ترجمته إلى العربية فى 2019 هو كتاب يستحق القراءة والنقد والبحث الدقيق لنعرف لماذا اعتلى المشهد السياسى والاقتصادى والإعلامى العديد من اللاعبين على كل الحبال وهم يسمون «ميديكورس» أى يقفون فى منتصف المسافة بين العلم والخبرة من جانب، وبين الثقافة والقيم من جانب آخر، والترجمة ليست دقيقة لأنهم ليسوا بتافهين ولكنهم أنصاف فى كل شىء وأعيد كل شىء.. لذا فإن الكاتب الكندى يتحدث عن بداية ظهورهم السياسى والاقتصادى فى عصر رئيسة وزراء بريطانيا «مارجريت تاتشر» فى الثمانينيات من القرن الماضى وهم تاج نظام الرأسمالية الاقتصادية والحكومة أو التكنوقراطية السياسية بمعنى أن هؤلاء الذين يتصدرون المشاهد والمراكز القيادية فى العالم المتقدم وكذلك العالم الثالث أى العالم النامى الذى يريد دوماً أن ينهج نهج الغرب المتقدم، هؤلاء يصنفون خبراء وليسوا سياسيين أو مثقفين، وهنا نجد أن كلمة خبير تعنى المعرفة بشىء واحد فى مجال واحد، فمثلاً من الممكن أن نجد خبيراً فى الذكاء الاصطناعى ليس على وجه العموم، ولكن فى بحث دقيق جدا يبرع فى هذا الخبير من أجل أن يواكب آليات ومتطلبات سوق العمل، فكم من خبير فى مجالات عدة لا يعرف عن القضية بشكل عام وأشمل، وهذا هو ما حول المهنة والمعرفة والحرفة إلى وظيفة، وإلى خبرة فى بحث بعينه فقد نجد أن من يركب عجلة القيادة فى سيارة مرسيدس مثلاً لا يعرف كيف يصلح سيارته الفيات لأن القضية هى احتياجات سوق العمل وتحويل المهنة إلى شىء وتحويل الفرد إلى خبير، وليس إلى مثقف وعالم حيث يظهر ذلك أيضاً فى مجال الإعلام ومجال الدين فإذا سألت إعلامياً شهيراً عن قضية ثقافية ومنظومة كبيرة للقيم والمبادئ تجده يهرب من السؤال، ويقول محتاج إلى خبير فى هذا المجال الدقيق، وكذلك أهل الفتوى والدين نجدهم يرفضون أى محاولة لإعمال العقل البحثى والنقدى بدعوى أنهم امتلكوا ناحية الخبرة وليس المعرفة والبحث والتدبر والتفكير وهو ما جعل الجامعات الكبرى تتجه إلى التخصصات الدقيقة جداً جداً وليس الشمولية المعرفة، كما أن هؤلاء الخبراء من الممكن أن يكون لهم ثمن نظير آرائهم الضيقة والمعرفية المحددة بينما المثقف ليس له سقف فى الثمن، وإنما هو باحث دائماً عن المزيد من المعرفة والقيم الإنسانية وليس مجرد الاحتياجات اليومية.

فلسفة التفاهة هى التى تسود العالم السياسى والاقتصادى بصورة كبيرة ويتوارى أمامها كل عميق وصادق وحقيقى، ولذا فإنك تجد أنصاف النجوم وأنصاف السياسيين وأنصاف الاقتصاديين وأنصاف الإعلاميين يقفون فى الصدارة، ويحجبون الرؤية عن هؤلاء الذين يفكرون ولديهم منظومة قيم إنسانية ذلك لأن ما يحتاج إليه العالم الرأسمالى هو «الشىء» و«الوظيفة» و«الشهرة» على حساب كل الأشياء القيمة الأخرى.. ذلك لأن المثقف المعرفى لا يبحث عن مال أو منصب أو سلطة وقتية يدفع من خلال الكثير من مبادئه وقيمه وقناعاته، ولكن ليس معنى ذلك أن نفقد الأمل فى أن يعتلى المشهد سياسياً واقتصادياً وإعلامياً من يملك رؤية ومعرفة وثقافة وقيم تخص المجتمع والإنسانية.. إنما هى مرحلة سوف تنتهى من العالم المتقدم، وبالطبع من الدول النامية التى أبهرت بالمفاهيم الغربية فى مجال أنصاف الأشياء، وعلى الكليات والجامعات أن تبتعد عن التخصصات الدقيقة فى مرحلة البكالوريوس والليسانس وتتجه إليها فى مرحلة الدراسات العليا البحثية ذلك أننا نفقد الكثير من اهل المعرفة، والثقافة، والقيم عبر هذه المناهج البحثية التعليمية التى تضع صوب أعينها سوق العمل فقط دون المجتمع وقيمه ومبادئه.. متى نكف البحث عن التافهين؟