عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

قلت وأقول وسأقول إنه لا تنمية إلا من خلال القطاع الخاص. وما جرى قبل أيام من منح شركة أوراسكوم حق تشغيل منطقة الأهرامات بالكامل يؤكد أن هناك  في هذا البلد مَن يفكر بشكل سليم ويخطط بشكل سليم ويعمل بجد وحكمة وتعقل. كما يدلل أيضاً، على أن الدولة تؤمن بالقطاع الخاص، وتعي أنه الأقدر على تحقيق النمو المنشود، وتوفير الوظائف المنتظرة، وتحديث واستحداث أنظمة العمل الأكثر تطوراً.

ذكرني التعاقد بحكايتين حكاهما لي صديق نابه كثير السفر والترحال. الأولى تقول إن أحد معارفه الأمريكيين اتصل به يوماً عندما كان في زيارة للولايات المتحدة، ودعاه على مأدبة عشاء مفاجئة لمناسبة لم يذكرها له. وعند ذهابه فوجئ باحتفاء شديد من الداعي وزوجته، اللذين وضعا ستارة على جسم صلب أمام المائدة احتفالاً به. وقالت له السيدة المضيفة إن العشاء احتفال بذلك الشىء المخُبأ، والذي لن يراه إلا بعد العشاء. وبالفعل بعد المأدبة قامت المضيفة بإزالة الستارة ليجد حجراً متوسط الحجم آثار استغرابه. وأخبرته السيدة أنهما يمتلكان جزءا من الهرم الأكبر، وأنها نجحت في كسب التفاوض مع البائع المصري عند زيارتها منطقة الأهرامات لتحصل عليه بـ50 دولاراً فقط بدلاً من مائتي دولار. وهكذا اشترى السائحان حجراً مقتطعاً من الهرم من الخرتية المسيطرين على المنطقة، وعادا بأغلى جزء من آثار مصر ببساطة ويسر.

الحكاية الثانية أن الصديق كان في أوروبا عندما التقى بشيخ كبير حكى له أنه هو وزوجته كان يحلمان طوال عمرهما بزيارة الأهرامات والتي كانت درساً مقرراً عليهما في الطفولة. وبعد تقاعدهما من العمل، قررا القيام بالزيارة الحلم وبالفعل سافرا القاهرة وذهبا إلى الأهرامات. وكانت المأساة أن الزوجين المسنين، اللذين تجاوزا الثمانين من عمريهما تجمع حولهما الجمالون عارضين عليهم جولة بالجمال مقابل عشرين دولاراً فقط. ووافقا الزوجان وركبا الجمل الذي طاف بهما بضع دقائق حول الهرم، ثم طلبا النزول، فرفض صاحب الجمل وأبلغهما أن مساعدته لهما لإنزالهما من الجمل يكلفهما مائتي دولار، وبكى السائح العجوز ودفع مرغماً.

وهكذا كان حال الأهرامات في ظل اللاإدارة واللااهتمام واللا فكر. جماعات من الطفيليين تُسيء للبلد وسمعته سياحيا، وحضاريا، وتفرط في الآثار، وتشوهها نتيجة الإدارة الحكومية المكررة لمنطق الستينيات.

كان الهرم  طوال عقود مضت مجرد مزار عام، لا يهم أحدا، غير مخطط، يُشغله موظفون عموميون منسحقون أمام سطوة الخرتية والباعة المتطفلين وجماعات المتسولين بالمنطقة. لا دخل كبير يتناسب مع عظمة الأهرامات، ولا مشهد لائق، ولا خدمات للسائح أو الزائر.

إنني أتذكر يوماً عندما صرح أحد مسئولي الآثار بأن عائدات المتحف المصري لا تزيد شهرياً على ستة ملايين جنيه، أن أحد رجال الأعمال علق قائلاً إنه على استعداد لتشغيل المتحف والتأمين على كافة محتوياته وتقديم 20 مليون جنيه شهرياً للحكومة. وقال إنه سيلتزم بعدم زيادة السعر، لكن الفكرة تعتمد على التشغيل الأمثل والتي لا يمكن للحكومة بطبيعتها وبيروقراطيتها وتشريعاتها ولوائح العاملين لديها تنفيذها.

إن تجربة إدارة القطاع الخاص للأهرامات نموذج ضروري كان غائبا عن السياحة في بلادنا، وهي تجربة تبعث تفاؤلاً وأملاً ويمكن التعويل عليها في أمور عدة، وستفتح أعين الناس عن قدرات وإمكانيات عظيمة، فالمستقبل للقطاع الخاص، شاء من شاء وأبى من أبى.

والله أعلم.

[email protected]