رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

 

 

هى قصة حب عفيف تذكرنا بحب قيس وليلاه.. وحينما لم يجدوا له دواء لهذا الحب أخذوه أمام الكعبة ليطلب من رب الكعبة أن يخفف عنه حب ليلى.. ولكنه قال:

«اللهم زدنى حبها أبداً رحم الله عبداً قال: آمين»

 

صاحبى مات فعف فمات شهيداً..

 

جاءنى صاحبى فى منتهى السعادة، والحكاية من سنوات وسنوات أيام كان لنا حياة فى مدارسنا الثانوية، هناك على ضفاف «بحر مويس» فى قلب مدينة الزقازيق، جاءنى يزغرد كالطيور البيضاء على ضفاف القنوات فى مزارعنا الخصيبة، وعلامة السعادة حين ترتسم على وجه «كل حبيب» تظهر تماماً كلها نور وحياة، وكأن الدنيا - كلها - تشترك معه فى «قبس السعادة» صاحبى هذا كان أشهر شعراء الشباب فى ذلك الزمن البعيد، كانت أشعاره فى «الحزن» وفى «الفرح» و«الطرب»، فى «السعادة» وفى «الشقاء»، وقبس منها كمثل كل شباب ذلك العصر الباسم، الباسم مع الألم ومع الحزن، وأيضاً مع الفرحة، كان صاحبنا يفلسف كل شىء.. وأما هى فقد قال والكلمات تجرى على لسانه مجرى الماء المتدفق من شلالات الجنوب، هى الدنيا وما فيها، هى الماضى وهى الحاضر، وهى المستقبل، هى «هدية السماء لصاحبك».. آه.. لو رأيت فمها والكلمات الرطيبة تخرج من فيها، فى حنان وفى كل كلمات لها معنى ولها مغزى، وكأنها تلقى وتلقن صاحبك معنى الكلمات حين «لقاء العشاق» أو هكذا رأيت، آه ثم آه، لو رأيت عينيها هى الأخرى تتكلم بكل اللغات، فيها المعانى الصادرة من أعماق أعماق الوجود.. هل رأيت زرقة السماء فى موكب الربيع؟.. هل رأيت مجرى البحيرات الاستوائية على أشعة شمسها الزاهرة المضيئة.. كأنها «كوكب درى».. ولنترك كل شعر الشعراء عن عيون الحبيبات وتعالَ معى نسبح فى عينيها.. وبدأ يرتل شعراً:

أقسمت بالسحر تحكى عنه عيناها

وكنت أنكره أستغفر الله

<>

وفى اليوم التالى لموعد حب شاعر عرف حقيقة العواطف البشرية وأتقن تحليلها وعاشها بدقات قلبه ونسيج فؤاده.. أكثر فرحة وأكثر غبطة.. «لقد التقينا» لقد مشيت معها على الصراط المستقيم - جنباً إلى جنب - نعم «اخضرت الأرض من تحت قدمينا» مشينا فى المزارع والحقول كان لابد لهذا اللقاء أن يكون هو الآخر «ينطق شعراً»: هنا الطبيعة قف بنا يا سارى.. لأريك صنع العظيم البارى.. تكلمنا نعم أنا وهى- فى الوقت نفسه- مع البلابل تطير من حولنا وكأنها تشاركنا فرحة اللقاء.. ورأينا الزهر والياسمين.. وشجر التوت تعانق أغصانه فى بهاء.. «والنخل باسقات لها طلع نضيد».. ومشينا.. على الورد مشينا.. «وعصر الحب من قلبينا».. دقات قلبى بدأت تدق ويتدفق الدم فى مجراها.. تعبيراً إلهياً عن لقاء قد صنعه القدر.

<>

وجاء اليوم الثالث.. وذهب صاحبنا إلى حيث «أيكة اللقاء» ومن بعيد كان يستمع هكذا قال فى حكايته: «يا حبيباً زرت يوماً أيكه.. طائر الشوق أغنى ألمى» وإذ رددتها «مطربة القلوب» إذ بها.. تقول فى دلال.. لابد أن «نبدل الكلمات» هذه الأيك معنا وهذه الفرحة لنا، ونحن نقول - أقصد أنا وأنت - «طائر الشوق أغنى فرحى».. ونسيج الحب، وغناء المحبين ولقاؤهم.. هل تعرف: وكأنها ترتل على مسمعى «الدرس الأول» فى الحب والغرام وحسن الكلام.. ومشينا.. ومشينا.. ومشينا ودقات قلبينا تترجم ما فى الصدور.. الهدوء من حولنا.. وصمت المكان.. والشمس آخذة طريقها صوب أفق المغيب.. وحان لنا أن نعود.. وإلى اللقاء.. متى؟.. وأين؟.. وكيف.. بسمة.. وأخرى.. وثالثة.. هنا فى «هذا المكان».

ويا كل الأحباب:

قد يهون العمر إلا ساعة

وتهون الأرض إلا موضعاً

<>

وجاء اليوم الموعود فى الزمان والمكان ولقاء الحب والحبيب، فى الموعد تماماً نظر بعيداً وقريباً ليسمع خطو الحبيبة الآتية ونسيم عطرها وأريجها ووقع خطواتها.. وانتظر.. وانتظر «وفات الميعاد».. أسئلة حيرى حطمت وجدانه.. أين هى؟.. ويا ترى؟.. ماذا «والمحب كثير الظنون».. ما أخلفت لى يوماً موعداً.. شمس الأصيل بدأت تتوارى وراء الأشجار قليلاً.. قليلاً وهى تأخذ طريقها صوب «أفق المغيب».. وفى هذه اللحظة والأسئلة بدون إجابات تتزاحم على مرأى السمع والبصر، أبصر فتاة فى ثوب أبيض صغيرة السن آتية على عجل.. وارتمت أمامه.. وناولته قصاصة ورق زرقاء لونها، وبها كلمات هى النور كله: «يا حبيبى».. رددها مليون مرة فى أقل من ثانية.. حبيبى.. أحقاً الحب جبار حتى فى منطق ونطق الكلمة ذاتها.. لأنها جاءت عبر الورق رتلتها شفاه الحبيبة: «أصابنى الرض فجأة فأخلفت أعظم لقاء.. وإلى اللقاء».. وبحث عن الفتاة الصغيرة عله يستطلع منها حقيقة النبأ وبعد الخبر ذهبت بعيداً بعيداً «وراء الأيك» وعاش فى حيرته الأبدية «مثل شراع تاه فى بحر شديد الموج».. وارتمى على الحشيش الأخضر ساعات وساعات وأيقظه طائر الليل يسبح بحمد الله.. «ونامت على الورد والهيمان لم ينم» بداية قصيدة كان قد نسج خيوطها.. فى بداية المشوار.

<>

تسألون عن باقى الحكاية.. وأقول لكم لا أعرف ما حدث، سوى كلمات سريعة الخطى أرسلها إلى فى بطاقة يوم عيد، أما عن «حبيبة قلبى وحبى وكل وجودى» فقد ذهبت وانقطعت رسائلها وإلى الآن.. لست أدرى: هل ستعود.. وبداية قصيدة أخرى «كل القوافل تعود وحبيبة قلبى هل ستعود.. أم لا تعود».. وكل الذى أدريه.. بداية كلمات رطيبة نسجها بشغاف قلبه تعبيراً عن ذلك الحب الخالد الذى ارتبطت أواصره ما بين قلبين معاً وفى لحظة اللقاء.. كان القدر يخطط للفراق «ضم الهوى قلبينا ونحن إلى الفراق نسير».. هذى حكايتى وعشقى وغرامى وعطر لنا وعبير.

<>

كل الذى أدريه.. أننى علمت فيما بعد.. أقصد بعد سنوات وسنوات أن صاحبى كان يذهب عند كل مساء صوب قبر فى نهاية المدينة مكتوب عليه اسم «الحبيبة» وقد زرع وردة بيضاء فوق تراب قبرها، تيمناً «بأن ثوب العرس أبيض» واليوم كتب هو على شاهد قبره بجانب قبرها.. «وجاور فى الموت ضريحى ضريحها.. أن ثوب الموت أيضاً أبيض».. والحكاية لم تنته.. بل ظلت طيور الليل السيارة تعشش فوق قبريهما.. تحكى لعابرى طريق الحياة قصة حب حقيقية.. عاشت وماتت وبقيت ذكراها.. يرتلها عشاق المدينة جيلاً بعد جيل.. تيمناً بقصة قيس وليلاه.. «الذى كان فى حب ليلى.. لا يدرى أصلى الصبح سبعاً أم ثمانياً».. وعندما أخذوه أمام «الكعبة» ليطلب من «رب الكعبة» أن يخفف عنه حب ليلى.. وماذا قال؟

اللهم زدنى حبها أبداً

رحم الله عبداً قال: آميناً.