رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

سلالم

يُثير اسم توماس بيكيتى الفزع لدى رجال الأعمال الكبار، ذلك لأنه يتخذ توجها شديد الحدة من مُحققى الأرباح المليونية داعيًا إلى تصحيح أوضاع الرأسمالية العالمية من خلال إخضاعهم لضرائب مرتفعة.

وبيكيتى لمن لا يعرف، عالم اقتصاد فرنسى ولد فى باريس عام 1971، وحصل على الدكتوراة وعمره 22 عاما عن دراسة حول إعادة توزيع الثروة نشرتها كُلية باريس العليا للعلوم الاجتماعية. وله كتاب شهير حمل عنوان «رأس المال» ترجمه إلى اللغة العربية الزميلان وائل جمال وسلمى حسين. وهو ممن يرون أن تطور الرأسمالية بشكلها الحالى تؤدى إلى كارثة، إذ ينتج عنها تفاوت أكبر بين الدخول. وفى تصوره فإنه لا بديل سوى فرض ضرائب باهظة على الأثرياء الذين يحققون أرباحا ضخمة، بهدف الحفاظ على بنية المجتمعات.

والحقيقة أن بيكيتى طرح تصوره انطلاقا من فكرة تصحيح الليبرالية وليس تصادما معها، وفى تصوره فإن استمرارية الرأسمالية يتطلب ترشيد وتصحيح مسارها كل فترة.

وقال الرجل فى كتابه الذى أنصح بقراءته إنه درس مراحل تطور المُجتمعات الغربية خاصة الولايات المتحدة دراسة وافية مُنذ بداية القرن العشرين وحتى الآن، خلص إلى أن الفكرة التقليدية التى تقول إن التطور الرأسمالى يؤدى إلى رفع مستوى الجميع مُجرد خُرافة، وإن تفاوت الثروة والدخول طابع أصيل للرأسمالية.

ويستخدم الرجل التاريخ ليذكر العالم بأن إفلات أمريكا من أزمة الكساد الكبير فى الثلاثينيات لم يكن لينجح إلا عندما قرر الرئيس الأمريكى فرض ضرائب بنسبة 90% على الشركات الكبرى لضبط المجتمع الرأسمالى.

ويُشير توماس بيكيتى إلى أن قيام الرئيس الأمريكى الأسبق رونالد ريجان بتخفيض الضرائب بعد ذلك أدى إلى إنهاء الحقبة الذهبية للمجتمع الأمريكى وبدء اتساع كبير وغريب فى الفارق بين الأثرياء وغيرهم من الطبقات.

وينتهى الأمر عند «بيكيتى» إلى مأساة إنسانية تتمثل فى إحصاءات أمريكية لعام 2010، حيث تشير إلى أن أغنى 10% من الأسر فى الولايات المتحدة تستحوذ على 70% من ثورة البلاد، بينما يمتلك 1% فقط من المجتمع 35% من الثروة، فى الوقت نفسه الذى يمتلك فيه النصف الأدنى من المجتمع 5% فقط من الثروة.

وتلقى أفكار بيكيتى شيوعا واهتماما من قطاع كبير من الاقتصاديين فى المجتمعات الغربية، لتناسبها مع النمو الكبير المتحقق لبعض الأفراد، لكنها لا تصلح كنظام حاكم لكافة الاقتصاديات خاصة فى الدول النامية التى ما زالت تكافح لجذب رؤوس أموال ضخمة بتشريعات ناعمة وحوافز حقيقية.

وفى مصر، فإنه مع إيماننا بمثالية أفكار بيكيتى، فإنها لا تصلح لدولة ما زالت فى خطواتها الأولية للتنمية، بل إن التعاطى معها يجب أن يستند لفكرة استغلال خروج الشركات العالمية الكبرى من الدول التى تؤمن بحلول بيكيتى لاستيعابها تحت لافتة استقرار المنظومة الضريبية.

إن الفكرة مقبولة فى بلاد الرفاهية التى تعج بالأثرياء، لكنها غير صالحة للدول التى يُمكن أن تغازل أصحاب الثروات الكبرى الراغبين فى الحفاظ على ما لديهم وتنميتها، ومن ثَم فإن مصر ليست من النماذج المناسبة لتطبيق أفكار الرجل، لكنها فى الضفة الأخرى يُمكن أن تنهل من مكاسب تطور الرأسمالية الغربية ووصولها إلى مرحلة التشبع.

تلك فكرة مهمة تقف أمام مَن يتبنون مقترح الضرائب التصاعدية فى مُجتمع ما زال يسعى إلى النمو مثل مصر.

والله أعلم.

[email protected],. com