رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

خارج السطر

 

 

 

 

سأحتفل خلال أيام بعيد ميلاده رقم 108.

سأفتح إحدى بدائعه وأقرأ سطورًا تُعيدنا لمصر الجميلة بأزقتها ومقاهيها وصخبها وجدل ناسها ومؤامراتهم وصراعاتهم وفضائلهم وشرورهم.

سأشاهد على يوتيوب فيلماً رسم قصته مثل «اللص والكلاب» أو «ميرامار» أو «ثرثرة فوق النيل». سأعيد مطابقة شخصيات مثل محجوب عبدالدايم الموظف المتسلق الوصولى، أو رؤوف علوان المثقف الانتهازى، أو خالد صفوان رجل الأمن السادى على أناس يعيشون حولنا.

سأتذكر عباراته الأثيرة «الخوف لا يمنع من الموت، لكنه يمنع من الحياة»، «آفة حارتنا النسيان»، «الثورات يدبرها الدهاة وينفذها الشجعان ويكسبها الجبناء»، و«لا سعادة بلا كرامة» لأستمتع بحكم الحياة.

سأذاكر شخصه، فكره، بساطته، وزهده فى المناصب والمال. كيف نأى بنفسه عن أوحال المعارك التافهة المستعرة لدينا كل يوم فى أوساط السياسة، الثقافة، والفن؟

كيف لم ينخرط فى صفوف الهتيفة والمصفقين؟.. وكيف لم يتورط فى الانحناء أمام أو التطاول على الزعماء؟

كيف آمن بالإنسان ووظف كل طاقاته وقدراته لكشفه وطرح تحولاته وتطوراته عبر الأزمنة؟.. وكيف رسم الأماكن بروائحها وبثها على الورق سحراً وشغفاً لا ينفض بالزمان؟

نجيب محفوظ يا ناس أجمل ما لدينا. حى ما دامت مصر. باقٍ كهرم رابع، وجميل كالنيل فى فيضه، منتصر على الزمن، ومتجدد مع كل جيل.

سألنى يوماً الأديب الجميل ناصر عراق، وهو من المبدعين الأفذاذ: كيف كان يمكن تخيل مصر دون نجيب محفوظ؟ ما الثقافة والفن والإبداع دونه؟

حتى لو لم يحز محفوظ نوبل ليكون العربى الوحيد، والأفريقى الثانى بعد وول سونيكا الحاصل عليها فى الأدب، فإنه يبقى عنواناً لافتاً لمصر، مثل أم كلثوم، طه حسين، وسعد زغلول.

قبل عشر سنوات كنت أعد دراسة عن أكثر مائة شخصية مصرية مؤثرة فى تاريخها الحديث وسألت صديقى الدبلوماسى النابه جمال رشدى أبوالحسن عن تصوره لرقم واحد فى هؤلاء فأجابنى بدون تفكير: نجيب محفوظ.

هو كذلك بلا شك ونحن لم نعرف بعد قدره ولم نفه حقه، لم نرد له الجميل: حكومة وشعب، مثقفون وعامة، أدباء وفنانون، نُخبة ومُسيرون.

أتذكر قبل أعوام مع بداية المشروع الضخم للعاصمة الإدارية الجديدة أننى كتبت مطالبا بتسميتها باسم الأديب العظيم. وقبلها اقترحت مراراً أن نطلق اسمه على مطار القاهرة الدولى أو على أى من الأماكن العظيمة التى يحُط بها السياح أو يمر عليها الزوار.

لكن معظم الناس لا تقرأ، وإن قرأت لا تنفعل، وإن اقتنعت لا تتحمس لأى أمر يخص الثقافة، لأنها خارج الحسابات، أسيرة لفكرة النخبوية، متطابقة مع تصور البرج العاجى للأديب الذى يعيش فى الخيال ولا يعرف الواقع.

محفوظ ليس ذلك يا سادة. إنه صاحب خيال نابت من أرض الحياة، أدب مخلوط بالناس، وإبداع مستقى من الشارع، وممتزج بآلامهم وأوجاعهم وأحلامهم. خلدوه فهو جدير بذلك. أطلقوا اسمه على معالم مصر الجديدة، درسوا رواياته فى المدارس بدلاً من سيرة عنترة وحروب عقبة بن نافع، ومكائد شجر الدر.

والله أعلم.

[email protected]