عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

لم تكن الدكتورة فوزية مفترية ولا برجوازية، ولكن العيب كان فى الدستور الذى قيد سلطة محكمة النقض فى البت فى عضوية النواب المطعون فى عضويتهم، فقد جعل الدستور محكمة النقض تقدم تقارير بالرأى إلى مجلس الشعب فى شأن الطعون التى تحال إليها، ولم يجعل رأى المحكمة نهائيًا، وكان المجلس يحفظ هذه التقارير فى اللجنة التشريعية والتى أطلق عليها خلال هذه الفترة اسم «الثلاجة»، وعندما كان يتم الافراج عن التقارير لمناقشتها فى اللجنة بضغوط من أصحاب الشأن وهم المرشحون المنافسون لنواب الحزب الوطنى الذين يرون أنهم أسقطوا فى الانتخابات عن طريق التزوير الفاضح، كان أعضاء اللجنة التشريعية يحتشدون، ويرفضون تقارير أكبر محكمة، بحجة أن ما تحيله إلى المجلس مجرد رأى يحتاج إلى تصويت الأغلبية، وتعود التقارير إلى ثلاجة اللجنة التشريعية مرة أخرى، وتتحمل الدكتورة فوزية عبدالستار رئيسة اللجنة غضب واستياء المرشحين الذين مورست ضدهم كل أنواع التدخل فى العملية الانتخابية، وكانت تقارير النقض تصرخ كاشفة عن التدخل السافر من جانب السلطة فى الانتخابات، من خلال تجنيد رجالها من أجل فوز مرشح الحزب الوطنى بالمقعد.

كنت دائمًا أتعاطف مع الدكتورة فوزية خلال فترة عملى محررًا برلمانيًا، وكنت أعشق متابعة اجتماعات اللجنة التشريعية للاستمتاع بالزخم فى المناقشات، ولكن كنت أخرج حزينًا لأن المناقشات كانت عبارة عن ضجيج بلا طحن، فالكلام للجميع والقرار للأغلبية الميكانيكية التى كان يحرص الحزب الحاكم على حيازتها تحت قبة البرلمان للتسبيح بحمد النظام.

كانت الدكتورة فوزية ترى أن العيب ليس فى تقارير محكمة النقص، وإنما العيب فى الذين أخضعوا تقارير المحكمة لمزاج مجلس الشعب يقبلها أو يرفضها، وتقول: أنا أستاذة قانون دستورى ومقيدة بالدستور، لكن لم يكن يمر اجتماع فى اللجنة التشريعية وإلا تتعرض الدكتورة فوزية لهجوم كاسح من المعارضة والمستقلين بسبب الثغرات التى كانت قوانين الحكومة تعج بها، وكانت التعليمات تمر هكذا وتحملت الدكتورة فوزية سنوات ما بين المطرقة والسندان، وكانت تحلم بتعديل الدستور.

داومت على الاتصال بأستاذة القانون الدستورى المتفردة بعد انتهاء فترة تعيينها بالمجلس لاستطلاع رأيها فى العديد من القضايا، وكانت تقدم دائمًا «روشتة» لعلاج العوار الدستورى وكانت تبدى احترامًا شديدًا لمحكمة النقض وللقضاء المصرى، وكانت مخلصة لتخصصها، وأدت دورها فى مجلس الشعب تحت ضغوط كانت وراءها السلطة، وتحملت الألقاب التى كان يرميها المختلفون مع الأغلبية منها فوزية المفترية أو البرجوازية، وفى أحد الاجتماعات تلقت الدكتورة فوزية نقدًا حادًا دفعها إلى البكاء، واعتذر النائب الذى أوصلها إلى هذه الحالة وتقبلت اعتذاره، وتبين أن المشكلة أكبر من هجوم نائب أو غضب صاحب طعن انتخابى، ولكن المشكلة فى النظام بالكامل، وفى مجلس الشعب الذى بنى خطة الاحتفاظ بأعضائه الباطلة عضويتهم على «سيد قراره»، واحتفظ بالسر فى ثلاجة اللجنة التشريعية.

استمرت المواجهة سنوات وكان يخرج مزورون ويعود آخرون فى تعاقب الفصول التشريعية، وتعدل الدستور، وتحققت أمنية الدكتورة فوزية، وأصبحت محكمة النقض حاليًا تختص بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وتقدم إليها الطعون، وتفصل فيها، وفى حالة الحكم ببطلان العضوية تبطل من تاريخ إبلاغ المجلس بالحكم، وهذا التعديل قضى على مقولة سيد قراره التى كانت تستخدم فزاعة لفصول تشريعية عديدة، مورست فيها كافة أنواع التزوير والتدخل السافر فى الانتخابات، وكان يجلس تحت القبة مزورون والأعضاء الحقيقيون خارج المجلس.

عندما سمعت بخبر وفاة الدكتورة فوزية عبدالستار، تذكرت هذه الشخصية الإنسانة التى ظلمها النظام السابق، وأنصفها الدستور الحالى. رحم الله الدكتورة فوزية، وأسكنها فسيح جناته، وألهم تلاميذها فى كل المواقع الصبر والسلوان.