رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

 

 

تستوقفنى رسائل الشهداء، تلذعنى حروفها بسوط من لهيب، أحتفظ بها منشورة فى صحف سيارة إلى حين وأطالعها كل حين، أفتحها أتملى حروفها، أبكى كاتبها، وأترحم، أتشوق إليه، حبيبًا وأخًا وصديقًا، أحتسبه، وأعيش ذكراه، الشهيد حبيب الله.

رسالة الشهيد تأتى إلينا عبر السحاب مغلقة على سرها المكنون، حررها الشهيد وهو فى صعود إلى أعلى عليين، تحوى الحنين والأنين، تحوى زفرة، وشهقة، ودمعة، محررة بالدم، مكتوبة بحبر القلب، معطرة بروح وريحان وايثار، وفضل عظيم، الشهيد يقرئكم السلام ويحمد ربه، الحمد لله الذى جعلنى سببًا فى سعادتكم، وفداء لحيواتكم، وأملًا ساطعًا يلوّن أيامكم.

 رسائل الشهداء تستأهل توقفًا وتبينًا، توقفا أمام سطورها ملؤها فداء، كل هذا الإيثار، يجودون بالدم والروح، وتبينا لفحوى الرسالة، بعلم الوصول، لماذا يحرصون على تحريرها مخضبة بالدماء، لماذا يقتنصون ثوانى من نفس أخير ليصكوا قولا، ويحرروا سطرا، تبين المعنى الكامن فى رسالة مغلفة بكل الأسرار، سر الشهيد .

رسائل الشهداء بليغة لا ينقطع حبلها، تصل ما بين القلوب جميعا، فليجتمع العلماء والنبهاء والمحللون والمفكرون على رسائل الشهداء، ويتوفروا عليها مخلصين يفكون الرموز، ويستخرجون مكنون الحروف، وليقفوا على حكمة هذا الشعب المكنونة فى سطور الشهيد.

ووصايا الشهيد، وشعره ونثره وأغانيه، عندما يغنى الشهيد أعلم أنه صاعد يرتقى إلى السماء، وعندما يقرض شعرًا يجود بالنفس راضيًا مرضيًا، وعندما يكتب وصيته يتمنى نصرًا أو شهادة يصعد إلى الأعالى تَحفه الملائكة، ويباركه الصالحون، وينثر من روحه وردًا على الأحباء.

هلا قرأتم وصية الشهيد، فينا محفوظة، تركتمونا يا أحباب الله، وتركتم فينا ما لا نضل بعده أبدًا، الشهادة كتاب لا يفقه حروفه إلا الموقنون المؤمنون بالله، ونعم بالله، وصية الشهيد فى رسالته، فى تدوينته، فى قصيدته، دروس وعبر لمن يعتبر، وخطوكم على الأرض خطى ومن كتب الله عليه خطى مشاها، وإذا جاء أجلهم ..  يستحثون الخطى صعودا إلى الرحاب .

لو توفر طالب علم نابه على تحليل مضمون رسائل الشهداء، ووقف على حروف المكتوب لشهد عجبًا من العجب العجاب، إنهم مؤثرون إيثارًا لم تشهده الخليقة، يجودون بالنفس بسخاء ورضا، النفس المطمئنة تؤوب إلى مولاها، ويهبون الوطن المفدى أرواحًا طيبة بنفس راضية، ما لهؤلاء سود الرؤوس لا يهابون موتًا ولا يخشون عدوًا ولا يبالون رهقًا ولا يتمنون مالًا ولا ولدًا، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات.

وقلب الشهيد مما صنع ماهية المادة، هى من لحم ودم مثل العاديين، هل يخفق خشية، هل يخشى خوفا، هل يرتجف أو يرتعش، هل هو قلب مملوء بالدماء، هل يضخ دما أم أملا .

وعقل الشهيد، هل يفكر فى الحياة، ويتأمل  فى الغد، ويرسم قلوبا فى ليال السهر، وفراشات ملونة فى جنان الحب، فيما يفكر إذا ما حم القضاء، فيما يتذكر، لحظات الاقتراب، والافتراق، وآلام والزوجة والحبيبة والولد، كيف يراهم فى النزع الاخير، أخشى انه لا يملك وقتا لكى يراهم لأنهم مرسومون بداخله منقوشون على صفحة ذاكرته. ومزاج الشهيد، مزاجه من تَسْنِيم، من رحيق مختوم، وأيام الشهيد الأخيرة، وحكايات ما قبل الشهادة ويوم يلاقى ملك الموت وجهًا لوجه، وينظر مشهد النهاية ويحين الأجل وهو منتصب القامة رافع الرأس، يواجه المكتوب على الجبين بقلب سليم، والجنة لمن أتى الله بقلب سليم.

أذكر ويتذكر المحبون، زمان كان المريض بالمرض العضال، إذا ما اشتد عليه مرضه، وأحس دنو أجله، كان يستجمع قواه ويشد حيله ويرتدى أجمل الثياب، ويمر بالديار وكأنه غريب مدهوش، ويسلم على الأهل والخلان، ويوصى الولد، ويبتسم فى وجه الملاك الطيب، فإذا ما عاد إلى فرشته أسلم وجهه لله.

الشهيد يطوف بنا، ويسلم علينا، ويشبع منا، طيفه يزورنا، كم منا تحدث بزيارة الشهيد له فى المنام، اسألوا أم الشهيد، لقد زارها بالأمس وأوقظها وتحدث إليها كى تقر عينها أوصاها بالصبر والصلاة، وتمنى لقاء قريبًا وصبرًا جميلًا.

الشهداء فى اعلى عليين، فى الجوار العظيم، نصيبهم من النعيم، الشهداء عنوان هذه المرحلة من عمر مصر، عصر الشهداء الثانى، يجتمع فيه المسيحى مع المسلم فى طلب الشهادة، يجتمع عليه المصريون الخلصاء الموقنون بحق الوطن فى الحياة .