رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

استأنف هنا الحديث الذى ربما قد لا ينتهى قريبًا بالنسبة لنا كمصريين عن أزمة نقص المياه ووصولنا إلى مرحلة الفقر المائي. والمدخل ليس قضية سد النهضة، وإنما زاوية أخرى للموضوع يبدو من الغريب أنها لا تحظى حتى بالنقاش العام الكافى رغم أهميتها البالغة فى مواجهتنا لأزمتنا المائية. وهذه الزاوية هى فكرة ربط نهر الكونغو بنهر النيل للاستفادة من المياه المهدرة من نهر الكونغو والتى تذهب إلى محيط الأطلنطى وتقدر قيمتها بأكثر من 1240 مليار متر معكب سنويًا، حتى أن أحد الخبراء، يشير إلى أن الكمية التى تسقط فى المحيط كل ثانية تقدر بنحو 42 ألف متر معكب. تخيل!

الفكرة ليست جديدة ويقال إنها تعود إلى كبير مهندس الرى المصريين بالسودان عام 1903 أباتا باشا، ثم كان السعى لتنفيذها من قبل الرئيس الراحل أنور السادات إلى درجة الاستعانة بشركات أمريكية من أجل أعداد دراسات جدوى المشروع.

مع 2011 بدأت الفكرة تعود إلى الواجهة من جديد من خلال فريق عمل مصرى على رأسهم مهندس بالغ الحماس هو إبراهيم الفيومى من الواضح أن الفكرة تتلبسه ويسعى بكل ما لديه من إمكانيات وآمال لكى يرى النور. يعزز هذا ما يبدو من حديثه والثقة التى يتطرق بها للأمر أن جهات عليا فى مصر تتابع الأمر وتدفع به قدمًا إلى الأمام، حتى أن هناك جوانب معينة يتجنب الحديث بشأنها بمنطق أنه يجب الرجوع لهذه الجهات السيادية، حيث إنه غير مصرح له بالحديث دون إذن.

من خلال محاولة معرفة ما جرى يمكن القول إن الأمر تجاوز مرحلة دراسات الجدوى إلى مرحلة خطط التنفيذ والمطروح فى هذا الصدد حسب المهندس الفيومى وفريق عمله أن الخطة تقوم على إتمام المشروع خلال 30 شهرًا من لحظة بدء العمل به، وأن هناك موافقات من دولة الكونغو ومباركة باعتبار أن هذه الخطوة ستخفف عنهم مشاكل المياه الزائدة، فضلًا عما يمكن أن ينعكس عليهم من مشاريع مشتركة على خلفية إقامة مثل هذا المشروع مثل تزويدهم بالكهرباء التى يعتبر توليدها من بين جوانب المشروع.

حسب الخبراء الذين يبدون حماسا ودعوة للإسراع بالفكرة فإن المشروع يمكن أن يوفر لمصر نحو 110 مليارات متر مكعب من المياه سنويا تستفيد منها مع جنوب السودان ودولة السودان الشقيقة، وأن العقبات التى يتحدث عنها البعض تم التغلب عليها جميعًا، وأن هناك أكثر من 400 خريطة تنفيذية، بل التمويل تم ترتيبه ويقوم عليه بنك حكومي. الأكثر من ذلك أن بعض المعدات التى ستستخدم فى المشروع تم الاتفاق على إنتاجها بالتعاون مع جهة رسمية.

تبدو لنا النقلة الرهيبة التى يمكن أن يحققها مثل هذا المشروع من مقارنته ببديله فى توفير مصادر بديلة للمياه من بينها تحلية مياه البحر ومعالجة الصرف الصحى، حيث تقدر المياه التى يمكن تحليتها حتى عام 2037 بنحو 3 مليارات متر معكب سنويًا وتقدر تكلفتها مع المياه المعالجة بنحو 50 مليار دولار حسب البيانات الرسمية.

إذن فيما المشكلة؟ باختصار تتمثل فى تحفظ البعض على المشروع، خاصة من وزارة الرى وبعض العلماء، حيث أشار وزير الرى الأسبق حسام المغازى إلى أن هناك 22 سببًا لرفض المشروع منها أن نقل المياه سيكون سابقة تفجر قنبلة فى كل الأعراف الدولية وتفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها بعد ذلك. عالم آخر هو الدكتور مغاورى شحاتة راح يؤكد استحالة المشروع مثل استحالة وصول الإنسان للمريخ، ورغم ذلك فإن الواقع يشير إلى أن فكرة سعى الإنسان للوصول للمريخ قائمة رغم أنها فكرة ترفيهية مقارنة بفكرة توصيل مياه نهر الكونغو لمصر والتى تمثل فكرة حياة أو موت.

من متابعة مسار الجدل حول المشروع يلاحظ أنه أخذ دفعة فى الحديث عنه خلال عام 2014، حيث احتل فريقه واجهة الفضائيات بمختلف قنواتها مع عرض الأمر باستفاضة حتى بات المشاهد المهتم يتصور أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، ثم فجأة تبخر واختفى حتى تحول إلى كأنه شىء لم يكن. يطرح ذلك تساؤلات عدة: ما هى حقيقة مشروع ربط نهر الكونغو بنهر النيل؟ وهل هى مجدية بالفعل أم خرافة من الخرافات؟ وهل فريق العمل وعلى رأسهم المهندس الفيومى يسوق لنا الوهم أو يضللونا كما وصفهم شحاتة؟ أم أننا نفتقد القدرة على الخيال والهمة لتنفيذ مثل هذا المشروع الجبار والذى يمكن أن يخرجنا من ظلمات فقر المياه إلى نور الثراء.

 الأرقام التى تقدم من قبل المؤيدين للمشروع تشير إلى أنه يمكن أن يمثل ثورة فى حياة مصر ومنها مثلًا المساهمة فى زراعة نحو 20 مليون فدان وتوفير أكثر من خمسة ملايين فرصة عمل وغير ذلك. هل تيقنت الدولة بأن المشروع فاشل؟ ولماذا لا يتم إعلان ذلك رسميًا؟ هل حدثت ضغوط معينة من الخارج بعدم التفكير فيه وإدخاله طى النسيان؟ هل المشكلة مشكلة بيروقراطية وأنها قوية لحد تمثيل خطرًا على مورد حيوى مثل المياه؟  لست فى موضع يمكننى من الحكم ولكن الأمر يبدو مثيرًا للريبة حول عدم الإقبال على بدء مثل هذا المشروع مهما كانت الصعاب أو التكلفة؟

[email protected]