رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

 

على استحياء، يتحدث البعض عن بارقة أمل في فتح مسام الحياة العامة بمصر.. أن يكون هناك مجال لاستدعاء الثقافة من مخابئها، وهز المنابر القديمة لتخليصها من حالة التشرنق التاريخي حول نصوص تحتاج للثورة عليها وتقليبها في قدور التغيير.. نحن في مصر كبلد قديم نعاني من أمراض «ذهانية» حشرتنا في حياة يتكرر قهرها وبؤسها من قرون طويلة.. طول العهد والتعود وتكرار الأحوال يحول المتغير الى ثابت ويصبغه بألوان قدرية.. أخطر مصير هو الذي تذهب اليه بقوة الماضي  وليس  بإغراء المستقبل.. الدكتور طه حسين في مؤلفه الاستثنائي شديد الاستبصار «مستقبل الثقافة في مصر»  - 1938 -  يقول: «صدقني يا سيدي القارئ، إن الواجب الوطني الصحيح، هو أن نبذل ما نملك وما لا نملك من القوة والجهد ومن الوقت والمال لنشعر المصريين، أفرادا وجماعات، أن الله قد خلقهم للعزة  لا للذلة، وللقوة لا للضعف، وللسيادة لا للاستكانة، وللنباهة لا للخمول، وأن نمحو من قلوب المصريين، أفرادا وجماعات، هذا الوهم الآثم الشنيع الذي يصور لهم أنهم خلقوا من طينة غير طينة الأوروبي وفطروا على أمزجة غير الأمزجة الأوروبية ومنحوا عقولا غير العقول الأوروبية»..

أي محاولة للتطور في مصر لا تنطلق من حقائق ثقافية وتاريخية لن يكتب لها النجاح؛ لأن نقل العلوم الحديثة وجلب الاستثمارات لن يبنى وطنا تآكلت هوية شعبه خلال نصف قرن مضى لصالح سموم صحاري المشرق القريب وجاهلية الأفكار الطائرة من القبور التي استوطنت عقول أجيال كانت مؤهلة وجاهزة لهذا السقوط الانحراف الحضاري السريع.. أعلى هرم السلطة في مصر من الفرعون الأول ليومنا هذا يمسك بدفة الشمس والماء وهذا ما جعل المصريين يخلطون بين الله والحاكم - بل وجعلهم يكذبون على الله؛ لأن عقابه مؤجل ويرتعبون من السلطان؛ لأن بيده الشمس والماء والجزرة والمقصلة.

حتى الأديان السماوية لم تحدث  تغييرا تاريخيا في حياة المصريين بالمعنى الثورى للتغيير.. لو أخذنا الاسلام مثلا سنجده في اندفاعته الأولى كان أشبه بالفيضان الذي يزيح عصرا ليكشف عن عصر جديد.. من الظلم للعدل، من التمييز للمساواة، من الجهل للعلم.. للأسف في مصر وغيرها من البلدان التي حل بها الدين الجديد تحول من حالته الفيضانية الكاسحة الي حالة أبوية مأساوية استطاعت بعد أقل من ثلاثة عقود على بعثة التغيير أن تطفئ كل الشموع التي أضاءت قليلا فضاءات الأماني والأشواق.. اختنق الحلم بعد أن التفت حوله حبائل السلطة والجاه وصراع المال والأعمال.. وكما يقول جورج طرابيشي في كتابه «من النهضة الي الردة»: «كانت أمنية كل عربي في الجاهلية أن يكون بطلا، وأن يكون شاعرا.. وكانت المروءة أم الفضائل.. ثم تحولنا الى النقيض .. استبدلت المروءة بالتقوى، بالخشية، وقامت التكايا مقام الأندية، وقام الناسك مقام البطل الشاعر، واستحال ذؤبان العرب الي دراويش يقتاتون من فضلات الموائد...».. وربما من رحمة الخالق أن الأديان ببنيويتها الثورية اختتم نزولها قبل خمسة عشر قرنا – لأنها لو نزلت اليوم بفكرها الثورى هذا لكانت الحرب بين السماء والأرض.. بين أصحاب رسالة وأصحاب سلطة، وفي زماننا لا يعصم من البطش الأعمى الا الطاعة العمياء. والضمائر الصماء..   هنا أتذكر الشاعر ابن هانئ في مديحه ونفاقه للمعز لدين الله الفاطمى بقوله: 

ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار

فكأنما أنت النبي محمد.. وكأنما أنصارك الأنصار

ولعله من المناسب الآن أن ننبه الذين يأملون في التغيير ويتشوقون الى صدق الدعوة اليه أن التطور لا تصنعه قرارات سياسية، ولكن تساعد على تحقيقه سياسات وتصورات وفهم جيد للتاريخ والمستقبل .. الطهطاوى ومحمد عبده وقاسم أمين والكواكبي وغيرهم ممن أسسوا لقواعد نهضة ما خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين لم تفشل جهودهم وجهود الجيل التالي لهم من طه حسين حتى نجيب محفوظ ولكن تم افشال هذه التجربة وهذا الزخم الثقافي والحضاري أمام طغيان وجبروت الأيديولوجيات الغبية والمتخلفة التي قدر لأصحابها أن يتحكموا في الماء والشمس والمستقبل فجفت على يديهم ينابيع، وانطفأت أنوار،  وكم من  آمال دفنت حية.