رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أوراق مسافرة

 

يقول لى زميل عزيز من جيلى، إن جينات جيلنا تبدو متشابهة ومؤكد فيها حاجة غلط «من وجهة نظره»، فهى جينات يسودها صفات العطاء والتضحية والذوبان فى أولادنا ونسيان أنفسنا، فمنذ أن رزق أى منا بأولاده الا ونسى نفسه تماما، وأصبح كيانه معلقا فى كيانهم، نضحك اذا ضحكوا، نبكى اذا تألموا، «نستخسر» فى أنفسنا اللقمة والهدمة، لنوفر لهم ما لذ وطاب، ونشترى لهم «السنييه» و«البراند»، أى الماركات من الملابس والكوتشيات فيما نشترى لأنفسنا أرخص الأشياء، نعيش فى شقة «على قد الحال» ونشترى لأى منهم شقة ليتزوج فيها مستقبلا بالمدن العمرانية الجديدة بأقساط تكسر الضهر «اذا كانت قدراتنا المالية تسمح بذلك»، أو نشترى باسمهم شهادات بنكية تنفعهم اذا «ما جرى لنا حاجة»، بل بعضنا يهرول ويؤمن على حياته لصالح أولاده، ويستقطع من رزق شهره مبلغا لهذا التأمين.

زميلى الذى عانى مثلى سنوات طويلة من الاغتراب لكن فى بلد خليجى، عاش يعمل ويعمل فقط، وهو يشد الحزام على بطنه وعلى كل احتياجاته الأخرى للحياة من المتع المشروعة، ويحول كل دينار لزوجته وأولاده، بنى لهم ما بنى، وأمن مستقبلهم، وتخرج أولاده  في جامعات جيدة، ويفكر كل منهم بالزواج وهو لا يزال فى أول حياته العملية، اعتمادا على ما تبقى من مدخرات الأب.

زميلنا أصيب بأمراض شيخوخة مبكرة، قلب، ضغط، سكر، تراه مكتئبا وصامتا غالبا، يتكلم بأسى أنه تنبه فجأة أن العمر «جرى»، أنه عاش على الهامش لأجل أولاده، حرم نفسه ليمنحهم ما يحتاجونه خاصة أن زوجته لا تعمل، يتمنى وهو على أبواب المعاش لو اشترى شاليها على ساحل ما يقضى به بضعة ايام من السنه يشم هواء البحر، او ان يذهب رحلة هنا او هناك ولو رحلة اليوم الواحد مرة كل شهر، ولكن حتى هذه المتع المشروعة البسيطة لا ينالها، لأن امراضه ومطالب الأولاد الذين لا يزالون يحملونه المزيد من ثمن احلامهم لا تنتهى، وتكبله وتعقده وتسرق ابتسامته.

زميلى العزيز نموذج من ملايين مثله، يعيشون الآن على أبواب المعاش او تقاعدوا بالفعل، مع كم من الأمراض وقد ضاع العمر الجميل فى اللهاث وراء لقمة العيش الطرية لأجل الأولاد، حتى لا يعيشوا حياة قاسية بسيطة مثلما عشنا نحن معظم الآباء والامهات من جيلنا، دفعنا أهم سنوات عمرنا حتى نوفر لهم ما لم يتوافر لنا مع آبائنا، وبهذا دفعنا الثمن مرتين، مرة مع اسرنا البسيطة التى كانت بلا رفاهية وتحسب للجنيه حسابا، ومرة اخرى عندما حرمنا انفسنا لنوفر لأولادنا فلا يعانون مثلما عانينا، وتتكرر على ألسنتنا جملة واحدة « مش عايز.. او عايزة ولادى يشوفوا اللى شفته».

حقا رعاية الأولاد والتضحية لأجلهم وتوفير حياة طيبة لهم واجب طبيعى وأمر الهى، ان نرعى رعيتنا خير رعاية، والا نبخل عليهم قدر سعتنا، ولكن ليس طبيعيا ان ننسى أنفسنا لأجلهم، الا نعيش موازنة عادلة بين مطالبنا ومطالبهم، كان أو لا يزال علينا أن نعلمهم أن ليس كل شيء يطلب منا يجاب، والا نعودهم على الأخذ الدائم دون تنازلات، لأننا بهذا نجردهم من شعورهم بالمسئولية والاعتماد على النفس، والشعور بقيمة المال المكتسب بجهد وعرق السنين، ليس طبيعيا ان نعيش على الهامش لأجلهم، لنؤمن بجانب تعليمهم مالا وشققا، وننسى أن نعيش حاضرنا ومستقبلنا، الوسطية والاعتدال أمر الهى، يجب أن نعطى.. ولا ننسى أنفسنا، أن نوفر لهم، ولا نتنازل عن مطالبنا، عن إجازة طيبة أو رحلة ممتعة أو نزهة تروح عنا، ان نشترى لهم بقدر ما يحتاجونه، ونشترى ايضا لأنفسنا.

للأسف نتيجة قبولنا الحياة على الهامش وتسرب سنوات العمر منا، محصلته قاسية، أولاد أنانيون، ماديون، لا يفكرون الا بأنفسهم ومطالبهم، الأب والأم بالنسبة لهم بنك تمويل وفقط.

 

وللحديث بقية

[email protected]