رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

السؤال الأزلى بلا إجابة، هل الكردى بحاجةٍ بالفعل لقيام دولة خاصَّة به؟ وهل ستدوم هذه الدولة؟ وهل ستكون عنصرَ أمان للأكراد، أم ستكون ولادتها سببًا لزيادة تعقُّد الأحوال فى الشرق الأوسط؟ خاصة أن الحركة الوطنية الكردية مرت بثلاث مراحل متباينة؛ الأولى فيها تُعدُّ عهد عصيان وفتن اجتماعيَّة وثورات إقطاعيَّة. والمرحلة الثانية قام فيها الأكرادُ بعدة محاولات للمطالبة بقانون خاصٍّ يحترم خصوصياتِهم القومية. والمرحلة الثالثة والأخيرة كانت عقِب الحرب العالمية الأولى؛ حيث بحثتِ القضية الكردية فى المحافل الدولية (معاهدة سيفر ولوزان) دون طائل.

وللأسف استغلَّ الساسة القضية الكردية لتحقيقِ مصالحهم السياسية ومصالح دولهم؛ فى سبيلِ إرضاء القُوَى الكُبرى غيرَ عابئين بحالة الظلم الدائمة التى عاناها الأكراد طوالَ أجيال وقرون متعاقبة، كان الكردُ يهدفون فيها للتعايش فى سلام فى كنَف الأوطان التى وُلِدوا بها مع المطالبة باحترامٍ متبادل مِن جانب حكومات تلك البلدان لخصيصتهم الحضاريَّة، وكانتِ النتيجة ثورات مستمرَّة دون أيِّ أمل فى تحقيق حالة السِّلم الدائمة، التى كان يحلم بها «برايس» ومواطِنو الأكراد.

والعلاقة بين الأكراد والاتراك معقدة للغاية؛ فقد لعب الأكراد دورًا هامًا فى مصير الخِلافة وخصومها، بوصفهم عنصرًا مقاتلاً شهيرًا ومرغوبًا فيه؛ وكان الأتراك يحسبون لهم ألف حساب. وتُعدُّ قبيلة «بنى شداد» مِن أهمِّ القبائل الكرديَّة، أسَّس هذه الأسرة العشيرة محمَّد شداد بن قارطو من قبيلة صلاح الدين، التى انشقَّتْ إلى قسمين، حَكم أحد القسمين قبيلة بنى شداد، أمَّا السلالة الكردية الثانية التى اشتهرتْ بين السلالات الكردية هى سلالة بنى مرْوان، ومؤسسها أبو على بن مرْوان بن دوستك، والتى دامت من سنة 990 إلى سنة 1096، وكانتْ ممتلكاتها تمتدُّ حتى ديار بكر، أمَّا سلالة الأيوبيِّين ذات الأصول الكردية (1169-1250)، فكان لديها جيش مشترك من الأكراد والعرَب، وبسط الأيوبيُّون سلطانَهم على مصر وسوريا، وعلى قسم من بلاد النهرين، ونجد أنَّه فى تلك الفترة كانتِ العلاقة بين الأكراد والعرب أخوية وتقوم على التفاهُم، على العكس مِن علاقتهم بالترك والفرس.

ومنذُ بداية القرن السادس عشرَ حتى منتصف القرن التاسع عشر قامتِ الدولتان الكبيرتان الترك والعجم فى تلك الفترة، وقيامهما لم يترك للأكرادِ أى مجال لاكتساب استقلالهم، وجدير بالذِّكْر أن «الشاه إسماعيل» مؤسِّس الدولة الصفوية زَجَّ فى السجن أحدَ عشر زعيمًا كرديًّا عندما مثلوا أمامه يُعرِبون عن طاعتهم له، ولكن بعدَ ذلك ضمن الأتراك ولاءَهم، واستمالهم السلاطون الأتراك فى كلِّ حروبهم، لكن بعد هزيمة الأتراك أمامَ النمسا تدخَّل الأتراك بقسوة فى حُكم الكرد الداخلى، وقاموا بتعيين «سليمان باشا» فى ديار بكر، وأخذ الأتراك يطبقون مبدأ «فرِّق تسُد» بين القبائل الكردية، وسرعان ما أصبحتِ القبائل الكردية أقاليمَ تركية، ولم يكن حال الأكراد مع دولة العجَم بأحسن حالاً فى ذلك الوقت. مِن منتصف القرن التاسع عشر حتى الحرْب العالمية الأولى انتهى النظامُ الإقطاعى لزعماء القبائل، غير أنَّ الأكراد لم يتمتعوا بأيِّ ميزة من انهيار هذا النظام؛ أما الخِلافة العثمانيَّة فقد حاولتْ تطويعهم عندما خلقت منهم فرِقًا عسكرية اسمها الحميدية؛ للانخراط فى الجنديَّة، غير أنَّ هذه المحاولات فى نهاية الأمْر انتهتْ بتورُّط الكرد أنفسهم فى مذبحة لجيرانهم مِن الأرمن فى عهدِ السلطان «عبدالحميد».

وفى الواقع أن مأساة الكرد تكمن فى معاهدتى سيفر 1920، ولوزان 1923 بعد الحرْب العالمية الأولى، حيث بدأ تدويل القضية الكرديَّة، وفى معاهدة سيفر عام 1920 بحثتْ أول وثيقة سياسيَّة دوليَّة قضية الاستقلال للمناطِق التركيَّة العجميَّة، التى يسكنها الكُرد، ثم تلتْها معاهدة لوزان، التى كانتْ بمثابة انتكاسة لمعاهَدة سيفر، التى كانتْ مجرَّد حِبر على ورق، حيث لم تنصَّ المعاهدة فى بنودها على المساواة بين الحقوق المدنيَّة والسياسيَّة إلا لمصلحة الدول الكبرى حينذاك متجاهلةً مطالب الأكراد. والمؤسف أنه فى عام 1943 اشتعلتِ الثورة فى بارزان العراق تحتَ قيادة «الملا مصطفى» شقيق «الشيخ أحمد»، وفى عام 1945 أثناء اجتماع هيئة الأُمم المتحدة فى سان فرانسيسكو قامتْ لجنة كردية بانتهاز الفُرصة، ورفعت إلى المجلس خطابًا ومذكِّرةً وخريطة مستعرضةً مطالبها الوطنية فى «كردستان حر ومستقل»، ولكن دون جدوى، واستمرَّتِ الثورات الكردية فى تركيا وأذربيجان، وفى عام 1946 أعلنت جمهورية كردية فى «مهاباد» برئاسة القاضى محمَّد إلا أنَّها لم تحيا طويلاً، وقامت إيران بقمع الثورة الكرديَّة، وأدخلتْ أذربيجان الكردية فى الدولة الإيرانية، وأُلغيت الجمهورية فى «مهاباد»، وكان ثمن هذه المحاولة البطْش بالأكراد بدون شفَقةٍ ولا رحمة. واستمرَّتْ محاولات التمرُّد مِن جانب الأكراد فى المناطق الحدوديَّة للبلدان محل التنازُع بعد ذلك على فترات ومازالت مستمرة.