عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

«شوطة» أو «فرة» أصابت الأسر المصرية ببلوة اسمها «الطلاق»، و«فرّة» يا سادة كلمة صعيدية، تطلق عندما تصيب الدواجن بمرض فجائى يأتى عليها جميعا لتنفق دون سابق انذار، لا أتحدث هنا عن طلاق الأزواج الشابة، والذين لم يمض على زواجهم حتى عام، فلهذا حديث آخر، بل سأتحدث عن الأزواج القدامى، كبار السن، من تجازوا الخمسين والستين، كارثة.. مصيبة غريبة أصابت أعداداً هائلة منهم، وإذا جلست مع اى منهم لتسألهم «تطلقوا دلوقتى بعد ربع قرن زواج.. طب ليه، وهتعملوا ايه وحدكم فى السن ده»، ستسمع نفس الجمل وكأنها «اكلاشيهات»: خلاص زهقت، صبرت واستحملت كتير عشان الولاد، ولما الولاد كبروا قلت حقى برقبتى، أهرب بباقى من عمرى، وأعيشلى يومين.

طيب يا حاجه هتعملى ايه وحدك فى السن ده ولما تهاجمك أمراض الشيخوخة، ستجد نفس الإجابة: الوحدة أفضل من جليس السوء والنكد، ده راجل طول عمره منكد عيشتى، واشتغلت له خدامه ولأولاده، عمره ما شكرنى ولا ولا قالى كلمه حلوه، ولا اشترالى هديه، كنت أشوف الستات رجالتها شايلاها على كفوف الراحة..اشى هدايا واشى دهب، وانا باتحسر على بختى، اهو الولاد يسألو عليا شويه، وازورهم شوية، طيب يا حاجه لو مرضتى واحتجتى لحد واولادك مشغولين فى الدنيا.. الدنيا تلاهى، تقول: والله العمر واحد والرب واحد لو جه الموت مش هتفرق معايا، أهو الجيران يشموا ريحتى، ويكسروا الباب ويدفنونى «... يا الله الى هذه الدرجة تفضلين يا من فوق الخمسين استكمال حياتك وحدك بعيدا عن شريك عمرك بعد كل هذه الرحلة المشتركة التى عايشتم فيها الحلو والمر معا، وشاهدتم ثمرة حياتكم.. أولادكم يكبرون ويستقلون».

وتسأل الرجل.. يا حاج هتعمل ايه وحدك بعد ما جريت على الطلاق، أو قبلت ان ام أولادك تخلعك بعد السنين دى، سيقول لك نفس الكلام: دى ست نكد، وانا صبرت عليها كتير عشان الولاد، أهملتنى طول السنين، وكنت بالنسبة لها بنك تمويل وبس، عمرها ما عرفت انا عايز ايه، ولا زعلان ليه، كل حياتها هات.. هات.. الولاد عايزين.. الولاد طالبين.. لما عمرى اتسرق، اهو أجر أوضة صغيرة وأعيش من معاشى، ولا أروح البلد اكرم لى أموت هناك بلا قرف...

يا نهار.. ايه اللى جرى للأزواج والزوجات فوق الخمسين، وما هذا الكم من المرارة «الطافحة» التى يتحدث بها كل منهم عن الأخر، وقد نسوا الفضل بينهم، وسمحوا للشيطان ان يفرقهم فى هذا العمر، بدلا من ان يكونا سندا لبعض، وكل منهم يد حانية للأخر، وأن ينعما بالحياة الهادئة بعد أن انتهت مسئوليتهما تجاه الأولاد، ويخططا للسفر هنا وهناك وينطلقا لتعويض ما فات، فإذا بكل منهما يختار الحياة منفرداً بكل أنانية، دون التفكير فى الطرف الآخر، وكارثة الكوارث حين يصارحك الستينى بتفكيره فى الزواج من شابة، لتعيد إليه شبابه، دون أن يدرى أنه يسير بقدميه الى المهانة فى المشيب، وان هذه الشابة لن تصونه أو تحفظ كرامته وشيبته وعرضه، وستهمله مع مرضه، وتسعى الى شاب يمتعها بالحياة.

بحثت كثيراً فى أسباب تزايد طلاق كبار السن، ووصلت الى نقطة هامة، كثيرون من هؤلاء قبلوا العيش على هامش الحياة، عاشوا لإرضاء غيرهم.. أولاً لتحقيق امنية أبويهم بدراسة ما يختاره الأبوان لا ما يختاره هو، ثم قبل الزواج بالشخص الذى رآه الأبوان مناسباً، ثم قضاء باقى سنوات الشباب فى الذوبان والتضحية من أجل الأولاد، وفى ساقية لا تتوقف، وعندما وصل أى منهم الى الخمسين، وجدو انفسهم قد فقدوا ذاتهم الحقيقية من أجل ذوات الآخرين، ولم يحققوا شيئاً من طموحاتهم أو احلامهم الشخصية، ومن هنا ترتد اليهم احلامهم فى احرج سنوات العمر سن المعاش أو ما قبله بعد فوات الاوان، فيحاولوا تحقيقها ولو على حساب الطرف الآخر المسكين والأكثر غلباً منهم.

 

وللحديث بقية

 

[email protected]