عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

تثير العملية التركية شمال سوريا العديد من التساؤلات بشأن طبيعة وحدود استخدام القوة فى العلاقات الدولية. ويكشف تأمل هذه العملية عن المبدأ الحاكم لهذه العلاقات والذى يقوم على أولوية امتلاك القوة بأشكالها المختلفة واستخدامها دون إيلاء الكثير من الاهتمام للقانون أو العدالة بين الدول.

فمن الواضح أن تركيا فى عمليتها تلك لا تنطلق من سبب وجيه يعززه القانون الدولى أو القواعد الدبلوماسية الحاكمة للعلاقات الدولية. ومن المؤكد أنه مما أغرى تركيا، الوضع السورى الهش، فضلا عن إدراك أنقرة أنها تملك من الأدوات ما يمكنها من مواجهة أى رفض لموقفها على مستوى المجتمع الدولى حتى لو كان رفضا أمريكيا، والذى انعكس فى تصريحات يمكن القول إنها أقرب إلى العنترية جاءت على لسان الرئيس ترامب بتأكيده أن رد فعل بلاده على هذه العمليات يمكن أن يكون محو الاقتصاد التركى.

ورغم أن البعض ينسب إلى ميكيافيلى توجيهه ضربة قاصمة لمبدأ الأخلاق فى السياسة من خلال نصائحه لـ «ألامير» إلا أن تأمل أحداث التاريخ يكشف عدم صحة هذه الرؤية على صعيد السياسة بين الدول، فالإمبراطورية الرومانية مثلا قامت فى جانب من تطورها على أساس لا يلتزم بالأخلاق وكان منطق التوسع بالقوة وفرض أمر واقع على الآخرين هو الذى حكم مسيرتها وازدهارها.

وإذا كان تطور الفكر الإنسانى قد أفرز تمييزا حديثا بين انواع من القوى وتقسيمها إلى ما يعتبره البعض قوى ناعمة، وقوى عسكرية، فضلا عما أضافه جوزيف ناى الابن مؤخرا فى كتابه «مستقبل القوة» الذى صدرت ترجمته عن المركز القومى للترجمة من القوة الذكية والتى تمثل ما يصفه بالإدماج الذكى للقوة الموجعة والناعمة، فإن القوة العسكرية تبقى لها الغلبة فى تحديد مسار العلاقات بين الدول رغم القيود العديدة على استخدامها بسبب ما تخلفه من كوارث على البشرية.

وتأكيدا لما نذهب إليه فإن تأمل المشهد فى محيطنا العربى والإسلامى على مدى العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية يعزز هذا التصور. خذ مثالا تلك العملية التى قامت بها إسرائيل بضرب المفاعل النووى العراقى فى يونيو 1981 وهى العملية التى جاءت بعد يوم واحد تقريبا من لقاء بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلى مع الرئيس السادات فى الإسماعيلية، إنها عملية غير أخلاقية بامتياز وتقوم على غرور القوة بامتياز أيضا يعكس إدراك قادة تل أبيب لطبيعة النظام الدولى وطرق التعامل معه. وقد تكرر المشهد ذاته فى عملية إسرائيلية ضد سوريا عام 2007 قامت خلالها بتدمير ما زعمت أنه مفاعل نووى قيد الإنشاء، وهو ما اعتبرته نوعا من الوقاية من خطر مستقبلى يهدد ميزان القوى بينها وبين سوريا، وهى عملية مرت مرور الكرام لأنها تعكس فى جانب منها طبيعة القوة الإسرائيلية وارتباطها بالتحالف مع الولايات المتحدة.

حتى هذه الأخيرة، وتأسيسا على المنطق ذاته قامت فى عام 1998 بضرب مصنع الشفاء للأدوية فى الخرطوم بزعم إنتاجه اسلحة كيماوية، لم تكن لتؤثر سلبا حتى لو صحت المزاعم، على أمن الولايات المتحدة. ولم يعق واشنطن عن القيام بعملياتها عقبات لوجيستية تتعلق ببعد المكان عن متناول يدها وإنما قامت بالعملية من خلال بارجة أمريكية كانت راسية فى البحر الأحمر، فى ممارسة لسلوك هو أقرب إلى البلطجة منه حتى إلى قواعد التعامل وفق علاقات القوى بين فاعلين دوليين.

فى كل ما سبق من أمثلة لم تكن المصالح الاستراتيجية لتلك الدول – تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة – مهددة، وفى الوقت ذاته لم يوقفهم ذلك عن الإقدام على عمليات تمثل فى أبسط معانيها فرضا لإرادة القوة ودفاعا عما تراه هذه الدول مجالها الحيوى. وربما يكون الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 مثالا أكثر فجاجة على عملية استخدام القوة العسكرية فى غير موضعها والتأكيد على أن شريعة الغاب هى التى تحكم المجتمع الدولى رغم المؤسسات الشكلية التى تحكم مسيرة العلاقات بين أطراف النظام الدولى.

لا تكتمل الصورة لشرح أبعاد هذه الرؤية إذا أغفلنا الأزمة الأمريكية الإيرانية الأخيرة والتى تمثل الوجه السلبى لاستخدام القوة العسكرية فى العلاقات الدولية، حيث تضع قوة الخصم–الطرف الثاني–قيودا على استخدام القوة العسكرية من قبل الطرف الأول لتطويع إرادته، حيث عجزت واشنطن عن اللجوء إلى هذا البديل بفعل تعدد الخيارات أمام طهران والتى تجعل من أى تهور أمريكى ضدها بالغ الكلفة، ومن المتصور أنه لو أن الدافع للأزمة أمريكيا كان استراتيجيا لأقدمت الولايات المتحدة دون تأخير ولو لحظة على ضرب إيران حتى ولو كانت النتيجة هى ما ينظر إليه باعتباره الخيار شمشون.

هذا هو البعد الغائب عن السياسى العربى.. إدراكه لأهمية القوة وتوسع مجالات استخدامها فى مواجهة الغير.. للحفاظ على مصالحه الحيوية، ويجعل غياب هذا البعد القيادات العربية فى حالة عجز، على خلفية تصورها لضعفها فى مواجهة العدو، ويجعلها فى حالة من حالات عدم المبادرة إلى الفعل لو امتلكت القوة على خلفية مبررات أخلاقية تسوقها لتبرير موقفها، فيما لا يلقى العالم بالا لمثل هذه المبررات، رغم أن ما نواجهه من اشتباك مع من حولنا يمثل قضايا مصيرية، قضايا وجود، قضايا حياة أو موت، ربما لا تجدى معها حسابات الربح والخسارة أو أى حسابات عقلية!!

[email protected]