رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تأملات

فى ضوء ما وصلت إليه مفاوضات سد النهضة من طريق مسدود بناء على تقييم وزارة الرى لنتائج المرحلة الأخيرة من المفاوضات التى جرت خلال الأيام القليلة الماضية بالخرطوم، فإن الأمر يتطلب من أجل الحفاظ على حقوق مصر المائية ليس فقط البحث عن سبل التعامل مع الوضع الجديد وإنما البحث فى سبل تعزيز التكاتف الشعبى من أجل تعزيز موقف المفاوض المصرى وعدم تشتيته بخلافات فرعية ربما تساعد الخصم على تحقيق أهدافه.

فى تقديرى أن سيناريوهات التعامل مع الموقف ربما لا تبدو صعبة فى ظل حقيقة أن الأمور كانت تشير إلى أن المفاوضات تسير إلى النهاية التى وصلت إليها وهو ما استتبعه إسهام كثيرين من المختصين وغير المختصين المهتمين بالقضية فى طرح رؤى متباينة تصورا منهم بأنها ربما تمثل خريطة طريق تساهم فى التعاطى مع الأزمة. هذا فضلا بالطبع عن حقيقة أن الدولة تقوم على مؤسسات، لا يمكن للمرء أن يشك ولو للحظة فى أن لديها من الخطط الكفيلة بمواجهة تطورات الموقف مهما وصلت بما فى ذلك منطق «أن لكل حادث حديثًا»، وهو التعبير المخفف عن وصول الأزمة لمرحلة الصدام وما يستدعيه من عمليات تبدو غير مرغوبة.

إن قضية سد النهضة ليست قضية تخص نظام حكم بعينه أو تخص قطاعا معينا من المواطنين وإنما تخص مصر الدولة وتمس وجودها فى الصميم. لقد بدأت القضية – الأزمة – إثر ثورة يناير 2011، وكان على رأس الحكم فى البلاد آنذاك المجلس العسكري، ثم تولى تنظيم الإخوان بعد ذلك ثم كانت ثورة يونيو 2013 والتى تولى بعدها الرئيس السيسى مقدرات البلاد كرئيس للجمهورية، وهو ما يعنى أنه تعاقب على فصول وتطورات القضية ثلاثة أنظمة، تعامل كل منها مع الموضوع بمنظوره وفى حدود رؤاه للأمن القومى لمصر، مع الوضع فى الاعتبار أن ذلك الجانب الأخير – منظور الأمن القومي–لا تتغير النظرة له بتغير نظام أو رئيس.

فى ضوء هذه النظرة فإن أى مصرى غيور على بلده، يجب عليه أن يشعر بحالة من عدم الارتياح إزاء ردود الفعل الأولية خاصة على مستوى بعض القطاعات الشعبية والتى يبدو أنها تصدر عن شماتة فى فشل المفاوضات واعتراف الجانب المصرى بذلك باعتبار أنه فى منظور هؤلاء بمثابة تأكيد على المسارات الخاطئة التى يسير فيها النظام على أصعدة عدة.

فى تقديرى أن تلك نظرة قاصرة وتفتقد لأى حس من الوطنية، ويجب أن يشعر صاحبها بالخجل من نفسه، فاللحظة التى نعيشها وفى القلب منها أزمة سد النهضة ليست مجالا للمكايدات أو المزايدات السياسية، لأن مصائر الأوطان لا يتم التعامل معها بتلك الروح التى تمتلئ بالتشفى مهما كانت أسباب ما تؤول إليه تلك الأوطان. ولكى أكون منصفا فإننى أشير إلى أن الأمر ذاته يمكن للمرء أن يصادفه فى الاتجاه المعاكس، حيث راح البعض يلقى التهمة على نظام سابق، باعتباره «أُس البلاء» فيما وصل إليه الحال على صعيد مفاوضات سد النهضة، وباعتبار أن ذلك ربما يمثل براءة ذمة من أى تقصير فيما انتهت إليه المفاوضات من نتائج.

إن مصر لمن لا يعرف، ليست بلدا ناشئا، هى بلد يضرب بجذوره فى التاريخ، منذ نشأة النيل موضع الأزمة والمفاوضات، وذلك ليس كلام إنشاء، وهو ما يعنى أن سياساتها لا تتغير بسهولة، خاصة على صعيد القضايا الاستراتيجية، قد يتغير التكتيك ولكن الأهداف تكون واضحة، وقضية مياه النيل والتى يطيح سد النهضة بأمن وصولها إلى مصر إحدى هذه القضايا الاستراتيجية التى ربما يكون لمصر الدولة موقفا ثابتا تجاهها لا يتغير ولن يتغير، وهو موقف تم التعبير عنه وبشكل واضح يتمثل فى أنها لن تسمح بأن يفرض عليها أمر واقع.

صحيح أن التعاطى مع القضية شابهه بعض السلبيات وربما بعض القصور وحسن النية، وصحيح أن المراجعة واجبة ومطلوبة من أجل ضمان سلامة التعاطى معها فى المستقبل ولو بمنطق «التغذية الاسترجاعية» التى يجب أن تقدم أمام صانع القرار، إلا أن كل ذلك شئ، ومحاولة التناطح وتحديد من المخطئ ومن المصيب وسط نيران الأزمة المشتعلة، ربما يمثل محاولة للإلهاء ترتقى إلى حد الخيانة الوطنية.

كنت قد استمعت إلى تصريحات نقلت على لسان وزير خارجية أثيوبيا يشير فيها إلى أن مصر لن تدخل فى حرب مع بلاده على خلفية أزمة سد النهضة وهو ما أرجعه إلى ما اعتبره التفكك الداخلى وانشغالنا بالإرهاب فى سيناء. وإذا استعدنا ما أشرت إليه من أن الأزمة لم تنشأ سوى على وقع الضعف الذى لحق بنا بعد ثورة يناير وتصدع الجبهة الداخلية لأمكن لنا أن ندرك أهمية ما أشير إليه، من ضرورة الحرص على التكاتف والاصطفاف الوطني، فالشعوب فى أوقات الأزمات تتناسى خلافاتها الجانبية وتلتفت إلى التحدى الرئيسى وتلك هى سُنة الحياة التى أتصور أنها لا يمكن أن تغيب عن حنكة المصريين، ما يجعلنا نطمئن إلى أن حقنا فى مياه النيل لن يضيع.. مهما كانت التضحيات!! باختصار.. «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».

[email protected]